Profile Image

علوية فاطمية حسينية مهدوية

صرخةٌ من أعماق قلبي المُثقل بالجراح

بقلم: علوية فاطمية حسينية مهدوية لا أريدُ المرتبة الأولى في عيونكم أريد المرتبة الأولى في نظرِ الحبيب الغائب ... تعسًا لي؛ فقد وصلتُ إلى المرتبةِ الأولى في كلِّ شيءٍ، وكنتُ الأول والمميز في نظر الجميع، وكنتُ أنظرُ بعُجبٍ ودونيةٍ لغيري، فأنا في المرتبة الأولى دائمًا ... لكن هناك شيئاً واحداً، ومرتبة واحدة لم أصل إليها، فلم أكنِ الأول ولا حتى الأخير.. تلك المرتبة بعينِ عزيزِ قلبي؛ فهذه العين لم تنظر إليّ نظرةَ رضا وفخرٍ كعيون الجميع، ولم أكن مميزًا عندها.. بل كانت نظراتها نظراتِ حزنٍ ورأفةٍ لحالي، وسخطٍ على أعمالي ... ولهذا كانت هذه النظرات تُدمي قلبي الحزين وتزيده حزنًا ... اسمعوني أيّها الناس، نظراتكم لي كاذبة؛ إذ كيف استحقُّ التميّز وأكون في الصدارة وأنا من أدمى قلبَ الإمامِ بأعمالي؟! وصلتُ إلى الصدارة بغروري وخداعي وحقدي وتسقيطي للغير، فكيف لهذه العين أنْ تفرح وهي ناظرةٌ بعينِ الحسد للغير فلا تقنع ولا ترقى! باللهِ عليكم، كيف أستحقُّ الصدارةَ وأنا الخاسرُ الأكبر؟! إذ لم أصير إلى هذه اللحظة ضمن جُندِ الإمام، ولم أنل شرفَ الالتحاق بركبه! وا تعسًا! حتى في الصفوف الأخيرة لم تجدوني هناك ... أ أصرخ بأعلى صوتي يا قوم لتصدقوني؟! أ أصرخُ بأعلى صوتي يا نور عيني، أم تكفيك همسات قلبي لتنتشلني من الضياع؟! أقسمُ عليك بأمّك فاطمة، خُذْ بيدي، ولا تتركني أغرق في متاهاتي .. سيّدي من لي غيرك، وأنت أعلم بضعفي وقلة حيلتي ... أقسمُ بالله، اشتقتُ لمناجاتِك في جوفِ الليالي ... اشتقتُ إلى الإحساس بالأمان بقربك سيدي؛ لأشكو إليك كلَّ ما يؤلمني، شكوى الطفلة الصغيرة لأبيها العطوف.. تربِتُ على كتفي، فأهدأ، وأغمض عيني في سباتٍ عميق صرختُ، وصرختُ، وصرختُ .. اللهم ارحم هذه الصرخات التي تخرج من أعماقِ قلبي صدقًا تنتظر الخلاص ... لا أريدُ الدنيا، أريدُ القرب فقط .. هل أنا كاذبةٌ ام ماذا؟ رحماك ربِّ وإليك المشتكى...

اخرى
منذ سنتين
1640

الأبُ كلمةٌ نسمعها كثيرًا ولكن...

بقلم: علوية فاطمية حسينية مهدوية أنا الآن أريد أنْ أقدمَ على الزواج، وأكون أبًا حقيقيًا، ولكي أكون أبًا حقيقيًا لابُدَّ أنْ أكونَ زوجًا جيدًا، لابُدَ أنْ أكونَ رجلًا يمكن الاستناد إليه، لابد أنْ أكون عملاقًا في الصفات الطيبة، وقويًا في الشخصية، متجذرة بي كافة الخصال النبيلة، متحليًا بروح المحبة والعطف لأنَّ الأبوّة هي الأمان.. لذا سأسعى للتحلّي بكلِّ هذه الصفات الحسنة، حتى تصبح جزءًا لا يتجزأ من كياني، وسأنبذُ أناي راميًا كلَّ الصفاتِ السلبية خلفي من عصبيةٍ ودلالٍ و...؛ لئلا تنتقل إلى أبنائي بالقوة. فدوري لا يمكن إلغاؤه؛ لعظيم أثري في الإسهام في مجال صياغة أبنائي. الزوجة والأولاد هم أمانةُ الله تعالى لديَّ، وسأتقبلُ هذه الأمانة بروحِ الرضا والرغبة في أدائها؛ لأنَّ الأبوّة كنزٌ قد لا يحصل عليه الجميع وأسأل الله (تعالى) أنْ أكون ممن يحصل عليها؛ فالذي لا يحصل على هذه الوظيفةِ الربانية فإنه يتمنى لو يدفع عمره ليصل إليه.... فنصيحتي لمن يقرأ كلماتي: فكِّر دائمًا في شكرِ النعمة بحُسنِ الاستعمال، وكُن أبًا حنونًا عطوفًا تبني ولا تهدم. فكم هو محرومٌ من يحرمُ نفسه من رؤيةِ أطفاله يخطون الخطواتِ الأولى، من الاستماعِ إلى كلماتهم الأولى، وإلى ضحكاتهم البريئة في أثناء ملاعبتهم، والاستمتاع بدفء أحضانهم الصغيرة.. إنَّ الأب الذي يريد أولاده مطيعين مؤدبين، عليه أولًا أنْ يضع في قلوبهم بذرةَ حبِّه والتعلق به، ليكونوا أشدَّ حرصًا على طاعته وبره وإسعاد قلبه، ولن تأتي فرحتُك بأولادك إذا تخليتَ عنهم وهم أشدّ ما يكونون حاجةً إليك في سنواتِ البذر والتعهد والرعاية.. الأبوّةُ ليست وظيفة هيّنة، ستتعب وتتألم وتعاني في ظلالِ أبوتك، ولكنه تعبٌ محببٌ وألمٌ له فيما بعدُ من راحةِ البالِ واطمئنانِ القلب، ومعاناةٌ ستدركُ قيمتها حينما تراهم يكبرون أمامك وهم يقدّرون جهدك معهم، ويشيرون إليك بفخرٍ ويقولون: هكذا علَّمنا أبونا... فلتملأ قلبَك يا عزيزي بمشاعر الأبوّة الحانية، ولتفض من معانيها الغالية على أولادك ما يُمكنهم من حياةٍ صحيحةٍ متوازنة، فتنعم مع أمتك بجيلٍ صالحٍ متميز .. فقبل أنْ تفكر في أنْ تصبح والدًا، عليك أنْ تعلم وتتيقن أنَّ الأبوة هي الأمان، فلا تتخلى عنهم وهم بأشدِّ الحاجة إليك؛ لأسبابٍ تافهة، ولا تسمح لغرائزك وأهوائك النفسية أن تقودك فتدمر العائلة وحياة هؤلاء الصغار.

اخرى
منذ سنتين
938

كاميرا المراقبةِ إلى أين تتجه؟!

بقلم: علوية فاطمية حسينية مهدوية عند حضوري في إحدى الدروس الأخلاقية، سمعتُ موعظةً، لا بُدَّ لي أنْ ألتفتَ إلى نفسي وأعتبر الخطاب موجهًا لي؛ لأنَّه هو فعلًا موجهٌ لي في جانبٍ من الجوانب .... بعدها أبدأ بالتفكير، وأفتشُ في أعماقِ نفسي في هذه اللحظة، مستعينةً بعينِ البصيرة، مُغمضةَ عين البصر عن الأغيار، فأخضِعُها لمحاكمةٍ عادلة، وأتّهِمُ هذه النفس بالتقصير والظلم، أتهمها بأمراضٍ أخلاقية شتى، فأما أنْ تُعالج أو تذهب إلى المنفى .... القرار لها ... فبإغماض عين البصر وفتح عين البصيرة، ستُفتَح أمامي آفاقٌ واسعةٌ، وسأعودُ لإنسانيتي وأرتقي سُلَّمَ الكمال، على عكس ما لو وجّهتُ كاميرا المراقبةِ بالاتجاه المعاكس فتتغير الإحداثيات، وعند كلِّ كلمةٍ ستنتقلُ إلى الغير، وتنتقدهم وتتهمهم بخصالٍ سيئةٍ ويُصبِحون محلًّا ومضربًا للأمثال، وأما بالنظر إلى النفس فستهوى في منزلقِ الغرور، تخالُ نفسها منزهةً قديسة كأنّها ملاكٌ نزلَ من السماء! والحقيقةُ أنَّ النفسَ كانت أشدّ ظلامًا ممن كان حولها، ورغم ذلك تتهم الأغيار! فيا ويح نفسٍ قد أدارت العينَ على الأغيار، ونظرت بطرفٍ علوًّا وافتخارًا، وغفلت عن عيوبها حتى هوت في النيران والأهوال ...

اخرى
منذ سنتين
1346

ورودٌ قد أُحْيِيَتْ

بقلم: علوية فاطمية حسينية مهدوية أخذتُ ذنوبي التي أثقلت كاهلي، وتوجهتُ إلى الكريم حبوًا ... وصلت إلى بابه منهكًا مكدرًا متعبًا، قد مزقتني ذنوبي وأعيت كاهلي ... فأطرقتُ إلى الأرض قليلًا ونظرتُ إلى النفس ببقعة ضوءٍ قد عكست صورتي وكأنّها مرآةٌ بباب الكريم تكشفُ حقيقة النفس وخباياها ... فذُهِلتُ لهول المنظر، وجثوتُ على ركبتي باكيًا مولولًا والرأس مطرقة خجلًا، والقلب بدأ يصرخ ويعاتب النفس مفصحًا عن تعبه لكثرة ما حُمِّلَ بالحقد والحسد حتى أصبح قاسيًا متجبرًا ... أردتُ الرجوع من حيث أتيت، فكيف أواجه الرب العظيم بأثقالٍ عظامٍ؟! فإذا بنسمةِ هواءٍ عليلة دخلت قلبي مسليةً، ففاض حبًا ورحمةً وشعَّت من صدري أنوارٌ جمّة... وهبّت رائحةٌ عطرة سقطت على الأذن والعين وأجزاء جسدي مُعلِنةً تطهيرها من شركِ الحسد والغيبة وسقت روحي عبيرًا طيبًا ... تقدّمت خطواتٍ بخفّةِ الريشة، وتغيّر المنظر أمامي ونسيتُ من آذاني أو أحزنني ... فسمعتُ صوتًا خفيًا من بين الأشجار مخاطبًا: الآن قد استحققت أنْ تكون داخل ساحة قدسي معلناً انتصارك على هوى النفس والشيطان ... بعد أن صفوتُ وتطهرتُ طرتُ مُحلِّقاً بخفةِ الريشة بل أكثرُ خفّةً ... بابُ الكريم مفتوحٌ دومًا لمن شاء القرب أيًا كان ذنبه... فإنْ ندمَ على ذنوبه بصدقٍ وأعلن التوبة، فإنَّ الله تعالى سيجازيه بنسيان الذنب، ولا يُطلع عليه أحدًا، يمحوه من سجله، بل وربما يحوّل سيئاته حسنات، معلنًا أنَّ العبد الحبيب قد عاد إلى الرب الرحيم بعد طولِ انتظار.. وطهّر النفس من أدرانها بنيران الحب ودموع الندم الصادقة، التي سقطت على جوارحه برائحةٍ فواحةٍ فامتلأت طيبًا وطهرًا... وبتمتماتٍ ومناجاة قد فاح نسيمُها مارّةً على القلب حاملةً أدرانه منقيةً مطهرةً معلنة حذف الماضي دون عودٍ وفتح أبوابٍ مستقبلة مستبشرة مُعلنةً توبة عبدٍ وطهارة نفسٍ في شهرٍ هو شهر التوبة.

اخرى
منذ سنتين
1228

صور تتجسد عند وداع شهر الله تعالى..

بقلم: بقلم: علوية فاطمية حسينية مهدوية وداعًا يا من أعدت إحياء القلوب وأذقتها طعم الحب والقرب الإلهي.. وداعًا... عندما أسمع المآذن تنادي بقرب الرحيل للشهر الفضيل تبدأ دموعي بالهطول وبدني يرتجف.. ما الخطب يا ترى؟ أي شهر عظيم سنفارق؟! اخشى أن أبتعد عن ربي مجددًا أم ماذا؟! لكن يمكنني أن اجعل أيامي كلها كأيام شهر رمضان ولياليَّ كلياليه.. أنصت مجددًا لصوت المؤذن وهو يقرأ دعاء الإمام زين العابدين (عليه السلام) في وداع شهر رمضان المبارك.. وكأنه يودع شخصًا.. لقد ارتسمت مع تسارع نبضات قلبي عدة صور لهذا الوداع.. فصورة أنظر لنفسي وكأني الآن قد حُملت في جنازة وخلفي الأهل والأحباب مودعين صارخين وداعًا.. تساءلت: أيكون وداعي كوداع شهر رمضان؟ أكانت ليالي عمري المنصرم كلياليه يأنس بها ملائكة ربي لجمال مناجاتي وصدقي؟ أكانت أيامي أجمل الأيام بطاعة الرحمن؟ أكنت داعية إلى الله تعالى بغير لساني كشهر رمضان؟ أكانت أنفاسي وحركاتي وسكناتي وكل كلي لله وفي الله تعالى؟ أكنتُ محبوبًا لدى أولياء الله تعالى ونورًا يشع بالضياء يجذب من حولي ويهديه؟ أكنت خفيفة كالنسمة لا تؤذي أحدًا ويعز فراقي على أولياء الله تعالى؟ أكنتُ عظيمة بعين الله تعالى وأرسم البسمة على شفاه الإمام الغائب؟ فبين كل هذه التساؤلات هرولت للصحيفة السجادية وبدأت أتأمل الكلمات وأبكي بحرقة قلب.. وعاهدت النفس أن أكون كشهر الله تعالى عبدًا لله تعالى فعلًا.. الصورة الثانية التي تراءت أمامي: صورة فراق أحد المؤمنين.. هل استغليت وجوده بيننا؟ هل انتهلت من علمه ومعرفته وصفى قلبي كصفوة قلبه؟ آه لقد رجعت بي الذاكرة لأيام الشباب، كانت لي رفيقة كنت أنعتها بشتى الأوصاف لالتزامها ورقي أخلاقها، لنقص بي وجهلي وسوء حظي لم أفهم حينها لما تفعل هذا؟! لِمَ لا تتعطر وتتزين وتتكلم مع الرجال؟! لِمَ كل هذا الالتزام والحب الإلهي؟ كيف بها أن تصلي وتقوم الليل، لكنني آذيتها بكلماتي وتصرفاتي فقد كنت حقًّا جاهلة لم أفهم إلّا بعد أن تلطّف الله تعالى بي وقربني وذقت طعم قربه ووصاله.. وأتتني أيضًا صور علمائنا ومراجعنا تباعًا، هؤلاء العظماء الذين تكفلوا أيتام آل محمد بعد غياب أبيهم، ينبغي أن نعرف قدرهم ولا نجهله لكي لا نتحسر فيما بعد فنحن الخاسرون دون غيرنا لا محالة إن لم نعرف قدرهم بيننا ونتبعهم.. وكانت الآه والأنّة مختلفة للصورة الأخيرة التي أسقطت دموع الحب والفراق والغربة والتوبة.. إنّها صورة إمامي الغائب هذا الإمام الذي لولا وجوده لساخت بنا الأرض فالرحمة والبركة تعمنا وتأتينا من أجله ولأجله.. ودّعتك يا شهر الله تعالى بحزن وبكيت لفراقك ولكن ليس كحزني وبكائي لفقد ولي الله تعالى، فحزني لفقده وابتعادي عنه أعمق وأعمق حتى أُصبت بالجنون من فرط شوقي وحنيني فلم أعد أرى إلّا صورته ولم اسمع إلّا صوته وكأنه لم يعد في الوجود إلّا هو... أيكفيني كلاماً يا عزيز الزهراء؟ فكلامي لا يفيد ولا يطفئ لوعتي وحسرتي، فأنت أعلم بقلبي، وكلامنا كلام قلوب لا تستطيع أي لغة في العالم ترجمته، ولا يشعر به أي أحد سوى من ذاق حبك ولمس أياديك الحانية وعطفك، فلوعتي وحرقتي لفقدك كبيرة أشد من لوعتي وحرقتي لوداع شهر الله تعالى.. فوداعًا يا شهر الخير والبركات ويا لحسرتي ويا لخسارتي إن لم انتبه واتنبه...

اخرى
منذ سنتين
974

ألهمني بريقُ نجمة!

بقلم: علوية فاطمية حسينية مهدوية انتظرتُ الليلَ ليُسدلَ ستاره ... لأسترقَّ النظر عبرَ نافذتي الكبيرة إلى النجوم المتلألئة في السماء ... جلستُ أعدُّها وأحسبُ المسافاتِ بينها ... فسألتُ نفسي سؤالًا: يا تُرى، لِمَ هناك نجومٌ متقاربةٌ مع بعضِها البعض؟ ولِمَ هناك نجومٌ مبتعدةٌ عن رفيقاتها؟ ما السرُّ في ظلامِ الليل وبريق نجومه اللامع؟ فتأملتُ وتأملتُ ... أيُعقلُ أننا كالنجوم؟ إذن ينبغي لنا أنْ نُضيء الكون ونُبدِّدَ الظلام من حولنا مهما كثر.. لكن كيف أضيء؟ وممن استمدُّ النور؟ فمرَّ نيزكٌ خاطفٌ بسرعةٍ وكأنّه دمعةٌ سقطت من إحدى النجماتِ، تحملُ جوابًا، حرقت قلبي وزادتني خجلًا وحسراتٍ ... جاءني الخطاب: أيُعقلُ أنْ تسألي نجمةً مسكينةً، وأنتِ من شرّفكِ الإله عليّ، وكنتِ خليفتَه في الأرض بأمانةٍ ثقيلةٍ صُعِقتْ لثقلها الجبال؟ هيّا استعملي كنزكِ المودع في أعماقكِ واستشيري العقل الذي بسببه ستدخلين النار أو تفلحين بالجنان؟ ابحثي عن شمسكِ وقمركِ ونجمك الوضّاء ... ولا تكلّي أو تحزني بسبب الظلام، واستمتعي بجمالِ السماء، إلى أنْ تظهر شمسكِ ضاحكةً بعد طولِ غياب ... فتنبهي وتيقظي، وإيّاكِ أنْ تتهاوني أو تضعفي؛ فظلامُ السماء لن يرحم الضعفاء، والنور لن يستمرَّ طويلًا إنْ لم ترتبطي بمصدره الأساس ... فأنا رغم جمالي وتألقي في السماء لن أنسى ثانيةً واحدةً أنْ أكون متصلةً بمصدر طاقتي الأساس، فأبقى أسبِّحُ خالقَ الوجود كي لا أُسلبَ كلَّ هذا الجمال .... فتفكري بيونس (عليه السلام) وهو في بطن الحوت ورددي ذكره العجيب في كلِّ نفسٍ يخرجُ من بين شفتيكِ ... لتزهري وتضيئي يا أجمل وأشرف مخلوق ... أنتِ تنظرين لجمالي وتألقي في السماء، وأنا أنظر لزهوكِ وضيائك الأخّاذ ... أتعلمين يا جميلتي، شمسكِ أحلى وأكمل من شمسي، وقمركِ أروع من قمري، ومنظرُ نجوم الأرض قد أفرح أهل السماء ... فأجبتُها بدموعِ عينيّ: ما أجملكِ من نجمة! ... والتفتُّ إلى شمسي وخاطبته: بنفسي أنت من عقيد عزٍ لا يُسامى، بنفسي أنت من أثيلِ مجدٍ لا يُجارى، بنفسي أنتَ من تلادِ نعمٍ لا تُضاهى، بنفسي أنتَ من نصيفِ شرفٍ لا يُساوى أنت القائلُ: نحنُ صنائعُ الله والخلقُ بعدُ صنائعنا.. فاصنعنا على عينك، واخترنا لنفسك، يا عزيز الزهراء...

اخرى
منذ سنتين
1323

كُنْ كالربيعِ الذهبي..

بقلم: علوية فاطمية حسينية مهدوية كُنْ كالكتابِ، جوهرةٌ ثمينة لا تُعوَّض، إنْ قرأه أحدهم لا يقوم إلا بفائدة، يُنير له طريقه، يزرع في نفسه الأمل، يُسلّيه، يستثمر فراغه بفائدة، يُكسِبه معلومة، يجعله يتأمل ويفكر، يُثري قاموسه اللغوي، يُعلِّمه طريقة الكلام وأسلوب الحوار، يحكي له قصص الأمم والشعوب، يُعرِّفه تاريخه، يكون صديقًا وفيًا ومؤنسًا لا يمل، ويُنقذُ من الغرق في الجهل، يحفظ الأسرار، يوسِّعُ الأفق، يلتجئُ إليه الباحث عن الحقيقة فيعطيه المفتاح الذهبي ويشق طريقه بالهدى والضياء.. فكلُّ كلمةٍ ينطقها كأنّها وردةٌ زُرِعت في الطريق تنثرُ عطرها في كلِّ الأرجاء لتدلَّه على سواء السبيل.. فكُنْ حكيمًا مسليًا وداوِ جراحَ المتألم، وازرعْ الأمل في قلبِ اليأس، وأضئ الطريق لأفكارٍ مختلفةٍ، وأزِل غبار الهم والحزن ... وانظر ما يفعله الكتاب وافعل ... ولا تنتظر شكرًا أو جزاءً، وكُنْ أنت القيمة والهدية العظمى، ولا تبحث عن التقدير والقيمة في أعينِ الناس؛ فلا يعرف الكنز الخفي إلا من كان يحملُ صفاء القلب وطهارة الروح.. وأعطِ الحكمةَ لمن مررتَ به أيًا كان، ولتكُنْ كلمتُك الطيبة وعطرك الذي يبعث على الطمأنينة والحنان أرقى عنوانٍ يجذب إليك الأحباب والأصحاب، ولا تبخلْ بمدِّ يدِ العون وكُنْ أوفى صديقٍ وأحنَّ رفيق، وذا وجهٍ بشوش غير متناقض بالأقوال أو الأفعال ... يا شعلةَ نورٍ تُضيءُ الدرب ولا تنطفئ..

اخرى
منذ سنتين
859

أسرِعْ لإنقاذِ فلذات الأكباد واترك الأعذار

بقلم: علوية فاطمية حسينية مهدوية ترى الخطرَ يحفُّ ببيتك، وأنت تنظرُ بصمتٍ دون أنْ تُحرِّك ساكنًا! ما لكَ؟! أخبرني ألا توجد طريقةٌ لتنقذَ ما تبقى منه؟ لا تخفْ، وسارعْ لترميم بيتِك ما دام الأساسُ قويًا ولم ينهد. هناك نوافذُ وأبوابُ، حاولْ بشتى الطرقِ فتحها؛ لتصل لمُبتغاك وتُغيّر؛ فمهمتُكَ بناءُ البيت بصلاحِ الأبناء. لا تتحجج بالإنترنيت والتلفاز والأصدقاء، أو الموضة والتقدم، أنت ربُّ البيت والمسؤول عنه. ولا تنظر إلى الخطأ وتشجعه، بل كُنْ قدوةً لهم، ثم حاورْ وناقشْ بحُبٍّ واحترام، فبيتٌ أساسُه حبُّ عليٍّ وأولاده (عليهم السلام)، وينتظر الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) ويدعوه للقيام، كيف ينهدُّ بربِّك؟! لا وربِّ المشرقين لن ينهد ولن يتمكنوا منه أبدًا، فقط انهض واستعن بالإمام، وسترى التوفيق والتسديد قد أحاط بك. اصلح من في الدار، وردِّد دائمًا عند الجلوس، وعند القيام، وحتى في المنام: يا غاية الخلق، بل يا أيُّها السبب المتصل بين الأرض والسماء! أصلح حالي، وأعنِّي على الإصلاح، وبناء جيلٍ واعٍ لنصرتك، يا قرة عين الزهراء (عليها السلام) أ أدركتَ مقامك يا عزيز؟ فما خُلِقْتَ عبثًا، ولم توكل إليك المسؤولية ببناءِ بيتٍ سُدى، ودون جدوى، بل كنتَ أهلًا لهذا البناء. فلا تتخاذلْ وتتراجع لأتفهِ الأسباب، ربِّهم منذُ الصغر وسيكونون أسودًا وخيرَ أنصارٍ، وإنْ كبروا فلم يَفُتِ الوقتُ بعد، طالما تغذوا حبَّ علي الكرار (عليه السلام) منذُ الصغر، وزرعتَ حبَّ الغائبِ الحاضرِ في قلوبِهم...

اخرى
منذ سنتين
947

أ تَذكُر الطفلَ ذا الثلاثة أعوام

بقلم: علوية فاطمية حسينية مهدوية صورةٌ حيّرتني، ورسمتْ في مُخيّلتي ألف صورة ... من بينِ الصورِ التي لاحتْ في مُخيّلتي: صورةُ طفلٍ صغيرٍ في السادسةِ من العمر ... نطقَ كلماتِه التي نزلت على قلبي كصاعقةٍ فأدمتْه ... فكيفَ بقلبِ إمامي الرؤوف؟! قال: أمّاه، ما أوحشَ هذا العالم وأتعسه! ما للناسِ هكذا ظالمون! أهو حظكِ يا حبيبة، أم حظي، أم ماذا؟! أخبريني يا سلوة الفؤاد وأوضحي لي الأمر، فلا خبرةَ لي بالحياة.. أتعلمُ يا أخي ما سبب هذا الكلام؟ أو نسيت ابنك ذا الثلاثة أعوام الذي تركته بعد أنْ زرعتَ في قلبِه الصغير الألم والكره لكلمة الأب، وعاش بين يديك حياةَ الرعبِ والاضطهادِ... نعم، هو ابنك ذو الثلاثة أعوامٍ قد بلغ الستة الآن وقال ما قال ... يا أخي هل انتبهتَ لسوءِ الأفعال؟ وإلى ما قادتك إليه نظرة الحرام؟ فقد هدَّمت البيت باتباعك الملذات، ولم تُفكِّر سوى بالأنا والشهوات .. فطفلُ الستة أعوام قد اظلمَّتِ الحياةُ في عينِه، وحُرِمَ حنان الأب وتحمّل العناء .. فلا تتوقع أنْ ترتاحَ بالحياةِ، وستظلَّ تلهثُ وراءَ الأهواء دون أن تشبع أو تنال الأنس، وستمحق بيديك نعمةَ المودة والرحمة بينك وبين زوجتك. سأكتفي من الوعظ والإرشاد، وتكفيك كلماتُ الطفلِ ذي الثلاثة أعوام؛ لتراجعَ نفسك فتكفيك الآثام. ويا ليت قصتك تكون عبرةً لغيرك.. فيفكر قبل أنْ يُقدِمَ على خطوةِ الزواج وإنجاب الأبناء، ويترك نظرة الحرام وسماع الغناء..

اخرى
منذ سنتين
1025

همساتُ الأرز (الحلقة الأولى)

بقلم: علوية فاطمية حسينية مهدوية في صباحِ يومِ الاثنينِ، في الساعة العاشرة صباحًا، كنتُ حائرةً ماذا أطهو من الطعام للغداء، فكّرتُ مليًا، ثم التفتُّ فوقعَ نظري على كيس الأرز، أتصدقون شيئًا، أحسستُ أنّ الأرز يُكلِّمُني ويترجاني أنْ اقتربَ منه لأكلِّمه، فلم يكنْ بي إلا أنْ رضختُ لطلبه فجلبتُ إناءً وأخذتُ حفنةً منه؛ لأبدأ بتنظيفِه حبةً حبة. لكنّي اليومَ لم أشعرْ بالضجر أو الملل من تنظيفِه، كانتِ الأجواءُ جميلةً برفقتهِ، فقد كُنّا نتكلمُ سويًا، ونبثُّ شكوانا، ونُحلِّلُ الأمورَ بدقةٍ متناهيةٍ لنصلَ إلى الحلِّ بكلِّ هدوء. وبينما أنا على هذه الحالة وإذا بي أسترجعُ شريطَ حياتي برفقةِ العائلةِ الكريمة، تذكّرتُ مواقفَ أمّي وأبي، وكيف كانوا يعاملونَ الناسَ برحمةٍ وإنسانيةٍ، وكم كنتُ مشاغبةً في صغري، لكن لم ينمُ العداءُ في قلبي، بل ظلّتْ أمّي تنصحني من جانبٍ، وأبي من جانبٍ آخر حتى أشعرَ بالندمِ على ما اقترفت. كان غذائي الحُبَّ والتعاونَ، لم تكنْ تعليماتُهم مجردَ كلماتٍ بل كانوا يُطبقونها أمامَنا تارةً وخلفَنا تارةً أخرى، وكُنّا نسمعُ عنهما كلَّ جميل. كان نُصحُهم لنا بسلوكٍ عمليٍ أكثر مما هو كلامٌ نظري، حين يرون من يحتاج إلى العونِ كانوا سبّاقين لتقديم المساعدة، ومن وقعَ بشدّةٍ هم أولُ من يُنقذه, يواسونَ المحزون ويخففون عنه حزنه، وينفسون عن المكروب كربه. لقد كان بيتُنا محطَّ رحالِ الفقير والمحتاج، كانتِ الطيبةُ والإيمانُ يشعّان منه، فلم تقُلْ لي أمّي اقرئي دعاءً أو قرآنًا، بل رأيتُ دموعَها تنهمرُ وهي على سجادةِ الصلاة مُردِّدةً إلهي كيف أصبِرُ على فراقك، إلهي من لي غيرك. ولعشقِ مناجاةِ محبوبِها كانت تستيقظُ في ظلمِ الليالي لمناجاته والتكلم معه، كان حُسنُ ظنِّها بالمعبودِ الأوحد والتوكّل عليه في كلِّ أمورِها ديدنها. لم تسأمْ من نثرِ الحُبِّ والوئام، كأنّها نسمةُ هواءٍ لطيفةٍ، لم تخدعْ، ولم تغدرْ، وكذا كان السيّدُ الوالد.. كنتُ أرى رأفتهم وإحسانهم، وبالمقابلِ لم أرَ ردَّ جميلِهم إلا بنكرانه، لكن قلوبهم لم تقسُ وظلتْ تُردِّدُ: نحنُ نفعل لله، لا نريدُ جزاءً ولا شكورًا، كما كان يُردِّدُ عليٌّ (عليه السلام) وفاطمة (عليها السلام) ... ما أجملَ ذاكَ البيتُ وأحلاه، كان يشعُّ بالنورِ المُستمَدِّ من نورِ بيتِ آلِ محمدٍ (عليهم أفضل الصلاة والسلام)، ويُضيءُ لأهلِ السماء كما تُضيءُ النجومُ لأهل الأرض. فصرتُ أنا القمرُ المنيرُ في العُتمةِ بعدما اكتسبتُ أفضلَ الصفاتِ وأحلاها من أُمّي وأبي، وأصبحتُ بفضلِهم شخصًا سويًا، لا أعاني من أمراضٍ نفسيةٍ أو أخلاقيةٍ أو سلوكيةٍ، بل إنسانٌ مستقرٌ احترمُ الغيرَ وأعيشُ مع الناس كالوردِ الذي ينثرُ عطرَه أينما حلَّ ويُجمِّلُ المكان، ومع كلِّ ميلانٍ بين النسيم أردِّدُ: يا مهدي!. بعد كلِّ هذهِ الذكرياتِ الجميلة أدركتُ أنَّ الإقدامَ على الزواجِ ليس أمرًا سهلًا أبدًا قبل اختيارِ الشريكِ والبحث في الصفاتِ الجيّدةِ، كما لابُدَّ أنْ التفتُ لنفسي أولًا وأراقبَ سلوكياتي وأصححها، ومن ثم افكرُ لاختيار الأنيس. فالولدُ الصالحُ المطيعُ من يسعدُ مهدي روحي، لا ينشأ أو يتربى في الشارع والمدرسة، بل يتربّى بحجري وحجرِ رفيقِ الدرب، ومن خلالِ صفاتي وسلوكياتي سينشأ ويتغذّى على الصلاح والفلاح. إنْ أردتُ أنْ أعلّمَه على الصلاة فلابُدَّ لي أنْ أتذوقَ لذّةَ الأنسِ وأحِبُّ الكلامَ مع الطبيب، وحين يقتربُ موعدُ الأذانِ أتركُ كلَّ شيءٍ وأهرولُ للقاءِ المعشوق، وأبين لهم مدى حبي وشوقي للصلاة ومخاطبةً إلهي الحبيب، لابُدّ أنْ أعكسَ روحيةَ العبادةِ وأجعلهم يعيشون في جوٍ إيمانيِ ينبضُ بالحبِّ. إذنْ لابُدّ من التطبيقِ بحُبٍّ وشوقٍ، كي يقتنعَ الأبناءُ فيعبدون الله (تعالى) بحُبٍّ دون ضغطٍ أو تهديد، وليصدقوا بأنَّ أباهم هائمٌ بربِّ الوجودِ ولا يبتغي إلا رضاه والقرب منه، وأنّ صلاته قد قُبِلَت من المعبود؛ لأنّه قد صلّى بنيةٍ خالصةٍ لوجهِ الله (سبحانه)، والدليلُ على ذلك هو انعكاسها على أفعاله وتصرفاته، أ فليست الصلاةُ تنهى عن الفحشاء والمنكر؟! وكذا صلاتي تدلُّ على قبولها سيرتي الحسنة، فيفتخر بي أبنائي. وسأصِرُّ على بناءِ النفس، والاستزادةِ من العلمِ والمعرفةِ وأطوّرَ قدراتي، وأقرأ أنواع الكتب، ومن ضمنِها الخاصةُ بالأسرةِ وتربيةِ الأبناء؛ لأكونَ على قدر المسؤولية، وأحافظُ على الأمانةِ التي أعطيت لي من قبلِ الله (سبحانه وتعالى)، وشرّفني بها. ورحتُ أتأملُ بأبوّةِ الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) وأميري علي (عليه السلام)، وكيفَ أنّهما ربّيا الناس وأنقذوهما من الضلالة، فها هما أبوا هذه الأمة قد نشرا الإسلام ورفعا راية( لا إله إلا الله) عاليًا رغم إحاطتهما بقلوبٍ قاسيةٍ أشدُّ قسوةً من الحجارة. فكيف لا أستطيعُ رفعَ الرايةِ عاليًا في بيتي وأنا أتعاملُ مع قلوبٍ رقيقة لم تُلوَّثْ بعدُ بالأرجاس؟! لا. .. يُمكنني ذلك ولكن لابُدَّ من الصبرِ والثباتِ وزيادةِ القرب من الله (تعالى). فالسرُّ في نجاحِ أبوّةِ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والأمير علي (عليه السلام) هو طهارةُ النفسِ وسلامةُ القلب، وفعلُ كلَّ شيءٍ من أجله ولأجله.

اخرى
منذ سنتين
950

حكاياتُ الأرز (الحلقة ٢)

بقلم: علوية فاطمية حسينية مهدوية أمّي أبي يا بلسمَ جراحاتي ... يا من تجسّدتْ بكم كلُّ معاني الرقةِ والإحساس ... يا دفءَ السنين وعطرَ الحياة الجميل ... كلُّ حسنةٍ أُحمَدُ عليها التفتُ إليكما بفخرٍ وأقول: اشكروا هؤلاءِ؛ فلهم الفضلُ في زرعِ كلِّ الخصالِ الحميدة. وكلُّ نقصٍ أو شائبةٍ وجدتموها عندي فهي بسببي أنا؛ فأنا لم أروِّض الأنا جيّدًا. هما قاما بدورهما وأديا ما عليهما، قد يقصرانِ في جانبٍ لاعن قصدٍ، بل عن صدقِ نيّةٍ وبدافعِ الحُبِّ والخوف، كلُّ ما يفعلانه من دلالٍ أو قسوةٍ كانا يظنانِ بأنَّ هذا التصرُّفَ كان لمصلحتي أو لبنائي، لم يفعلا للضررِ بل للنفع. وكم أحسستُ بفضلهما عليَّ ومدى تعبهما معي، كم سهرتْ أمّي الليالي وحرمتْ نفسَها الراحة ونسيتْ احتياجاتها من أجلِ أنْ تُلبّي احتياجاتي وتهتم بي. كم تحمّلَ أبي حرَّ الصيفِ وبرودة الشتاء، وخرج من الصباحِ الباكرِ؛ ليؤمِّنَ لي لقمة العيش. كم وكم تحملّا .... قد أنشآ جانبًا مني وتركا لي الجانب الآخر لأُكمِلَ البناء، فلا تلقوا جُلَّ أخطائكم على آبائكم فمن أنشأكم وأفنى عمره في سبيل راحتكم لا يستحقُّ أنْ تُجافوه و تعقّوه، وإنْ أخطآ بحقِّكم يومًا أو قصرا. ألا يليقُ بكم الآن أنْ تُقبِّلوا أقدامهما وتردوا لهما الجميل؟! لو لم يُقدِّما لكم إلا قُبلةً على الخدِّ ومسحَ دموعِ الحزن من العين؛ ليُشعراكم بالاطمئنان لكفى أنْ تُفنيَ حياتك خادمًا تحت قدميهما. أجرّبْتم يومًا تنظيفَ الأرزِ حبّةً حبّةً، كم كلّفكم ذلك من وقتٍ وجهدٍ، ووجعٍ بالرأسِ والرقبةِ، وألمٍ شديدٍ بالعينين. وهي دقائقُ قليلةٌ وعانيتم كلَّ هذا العناء. فكيف إذن من يُنشئ إنسانًا كاملًا ويسهرُ الليالي والأيام، كم يفقدُ من الصحةِ ويُصابُ بالإعياء؟! فصناعةُ الإنسانِ مُكلِفةٌ وليست بالأمرِ الهيِّن، وتحتاجُ من الوقتِ والجهدِ والصبرِ والتأني والإيمان الكثير. نشأتما رجلًا قادرًا وامرأةً مصونًا لا من هباءٍ منثورٍ، بل بجهدِ هذين الشيخ والشيخة، ولم تكن نشأتكما بالأمرِ السهلِ اليسيرِ كإعدادِ وجبةٍ من الأرز.

اخرى
منذ سنتين
957

حكاياتُ الأرز (الحلقة ٣)

بقلم: علوية فاطمية حسينية مهدوية للأبِّ دورٌ كبيرٌ في بناءِ الطفلِ وتكامله، كذا للأمِّ دورٌ آخر، كلٌ منهما له دورٌ في حياةِ هذا الطفلِ؛ سواء كان مستقلًا عن الآخر أو مكملًا. ولا يوجدُ من يغفلُ عن هذهِ المعلومةِ أبدًا، لكن يقعُ الكلامُ والخلطُ في التطبيق، فمثلًا يغفلُ الوالدان أو المربون في بعض تصرفاتِهم، مما يؤدي إلى إحداثِ نوعٍ من عدمِ التوازن، وأحيانًا يخلقُ لدى الطفل حالةً من التمرد، والعدوانية، وقد ينطوي على نفسه. فيأتي الوالدان ويشكوان من أبنائهما، ابني لا يسمع الكلام، ابني متمردٌ وعدوانيّ وغيرها من الأمور التي هي بالأساسِ رواسبُ لتصرفاتِهم معه، أو ابنتي لا تُطيعني وتتصرفُ بعصبيةٍ وعنادٍ عندما أكلِّفُها بعملٍ ما قد تجدُ بعضَ الصعوبةِ في تطبيقه، والسببُ في تمرُّدِها قد يكونُ بسببِ تصرفِ الأمِّ أو الأبِّ وردّةِ فعلهم العنيفة تجاه ابنتهما عندما لا تُتقنُ العملَ أو تتلكأُ به، فبدلًا من تشجيعِها ومساعدتها يبدآنِ بالصراخ ونقدها فتتحطمُ معنوياتِها وتتهربُ من أيِّ عملٍ خوفًا من الفشلِ وردِّة الفعل العنيفة. لابُدَّ من العمل على تقويةِ ثقةِ أبنائنا بأنفسهم، والسعي لجعلهم يعتمدون على أنفسهم في أداءِ بعضِ الأعمال، وإنِ احتاجوا إلى مساعدةٍ لا يبخل الآباء في مدِّ يدِ العون لهم دون إشعارهم بالعجز لئلا تهتزّ ثقتهم بأنفسِهم ويتخوّفون من مواجهةِ الواقعِ لوحدهم. ومن الآثار الخطيرة التي يؤديها التهاونُ في هذا الدورِ العظيمِ للوالدين واستخدامه بشكل خاطئ خلقُ روحِ العدوانية وحُبِّ أذية النفس والآخرين. فنلاحظ في المدرسة أو الشارع أو عندَ زيارةِ الأقارب هنالك أطفالٌ يُحبّون أنْ يؤذوا أقرانهم، ويختلقون المشاكل دائمًا، زملاؤهم يشكون منهم، أحدُ الأسبابُ المهمة لهذا السلوك العدواني هو قسوةُ الأهل على هذا الطفل الذي جعلته يكرهُ من حولَه وربما حتى يكره نفسه، وقد يؤدي به الحال إلى أنْ يفكرَ الطفلُ بالهروب من المنزل. ويزداد الأمرُ سوءًا في حال استمرار تعامل الأهل القاسي مع الطفل إلى مرحلة المراهقة، والواقع يُثبتُ ذلك، فقد أخبرتني فتاةٌ بعمر الزهور سرًا، بأنّها تروم الزواج من شخصٍ ما والسفر معه خارج البلاد هروبًا من الأهل وقسوتهم. وكما للقسوة أثرٌ سلبي على الطفل أو المراهق فالدلالُ الزائدُ كذلك، حيثُ ينشأ إنسانًا اتكاليًا، لا يتحملُ المسؤولية، ملولًا ، عديمَ الثقةِ بنفسه ، أنانيًا، وغيرها من الآثار السلبية التي تنتج عن تربية الدلال. فتربيةُ الطفلِ كطبخِ الأرز الذي يحتاج إلى الاعتدال، فلا قلةَ في الماء تتسببُ في نشأته قاسيًا ولا كثرةَ فيه تتسببُ في نشأته ركيكًا، كما لا بُدَّ من الصبر والعناية به ومتابعته؛ بأنْ يُترك على نارٍ هادئة ولفترةٍ من الزمن هي الأخرى ينبغي أن لا تزيد ولا تنقص. ولا تتوقف الآثار السلبية للدلال الزائد أو القسوة المبالغ فيها عند مرحلة المراهقة بل تستمر إلى الزمن البعيد؛ حتى أنَّ معظمَ المشاكل الزوجية، والفشل في قيادة الأسرة إلى برِّ الأمان في كثيرٍ من الأحيان ترجعُ إليها، فيُصبِحَ الشخصُ عصبيًا يدخلُ إلى البيت فيُحيله إلى جحيم، أو قد يجلس بلا عمل ولا يتحمَّل المسؤولية ويرمي بالمسؤوليات كلها على عاتق زوجته. وعليه، فإنَّ الآباء مسؤولون عن بناءِ أجيالٍ كاملة وليس فقط هذا الجيل، وسيتحملون الآثام إنْ هم أساؤوا التربية، فكم من طلاقٍ أو خرابٍ لحق بعض العوائل بسبب سوء تربيتهم. فليدقق الآباء في تربيتهم كما ينبغي لهم الانتباه إلى كلامهم وتصرفاتهم معهم ولا يُقللوا من أهميتها، وقبل أنْ يشكو من الأبناءِ عليهم مراجعة أنفسهم والنظر إلى أخطائهم ومحاولة معالجة ترسباتهم التربوية التي تركت في قلوبهم الصغيرة بعض الغبار.

اخرى
منذ سنتين
798