تشغيل الوضع الليلي

كيف تُحفز ولدك على الدراسة؟

منذ 4 سنوات عدد المشاهدات : 2772

الحلقة الثالثة
التركيز على النجاح بدل العلامات.

يخطئ الكثير من الأهل والكثير من التربويين عندما يقيدون معنى النجاح بحصول الطالب على علامة مرتفعة ويعتبرون أن النجاح عبارة عن علامات ودرجات مرتفعة يحصل عليها التلميذ من خلال الاختبارات التي يمر بها.
تقييد مفهوم النجاح بهذا المعنى يدفع بالطالب إلى التركيز على العلامة بدل التركيز على أدائه ومجهوده الذي بذله، إذا حصرنا مفهوم النجاح بهذا النمط فإننا نقوم بتحطيم قيمة التعليم لأننا اختزلنا العلم والتّعلم بعلامة ليس إلّا، وهذا ما يجعل مهمة القراءة والمتابعة تافهة في أذهان الكثير من التلاميذ لأنها تركّز على أشياء فرعية وليست أساسية.
فالأساس هو أن ندفع بأطفالنا إلى عشق التعليم والانسجام معه لكي يقوموا بأداء واجباتهم من منطلق حب الاشياء واتقانها، فلو استطعنا تقليل الصعوبات وتذليلها للأطفال فإننا نقوم بوضعهم على الطريق الصحيح، لأننا بهذا العمل نقوم بتحفيزهم نحو الدراسة بشكل إيجابي وهذا ما يجعل الأطفال يتقدمون بالتعلم وتزداد لديهم سرعة الفهم والادراك للمواد الدراسية.

فمن السلبيات التي يفعلها أغلب التدريسيين هي أنهم يركزون على العلامة التي يحصل عليها الطالب في الامتحان ويهملون المجهود الذي يبذله من أجل النجاح متناسين بهذا العمل عملية الإحباط التي يشعر بها باقي التلاميذ الذين بذلوا مجهوداً ولم يحصلوا على علامات مرتفعة، مما يسبب ارباكاً وتشويشاً لعقول الطلاب بشكل كبير، وهذا ما يسبب لدى هؤلاء التلاميذ شعوراً بالفشل والإخفاق، وهذا الشعور تم استشعاره عن طريق عدم دعمهم وتشجيعهم.

إن التركيز على اصحاب العلامات المرتفعة واهمال التلاميذ أصحاب العلامات الأقل يؤدي إلى ظهور حالات إحباط لدى كثير من الأطفال اصحاب المستوى المتوسط، وترى ذلك واضحاً في أغلب المدارس من خلال مكافئة التلاميذ اصحاب العلامات المرتفعة وإهمال الباقين بحجة أن مثل هكذا مكافئات تدفع بالباقين إلى النهوض بأنفسهم من أجل اللحاق بمستوى أقرانهم الدراسي، ومن مظاهر التفرقة بين التلاميذ من خلال جعل العلامة هي المحور الثابت للنجاح هو وضع التلاميذ المتفوقين في اوائل الصف من ناحية جلوسهم على المقاعد في الصف وهذا ما يجعلهم يشعرون بالأفضلية على أقرانهم وبأن لهم الحق في كل شيء لأنهم يحصلون على علامات متقدمة.

أما ما يشعر به باقي التلاميذ فغير مهم، فليس لهم الحق في الحصول على مكافئات لأنهم لم يحصلوا على درجة تمكنهم في الوقوف على منصة المكافئة وليس لهم الحق في الجلوس بأول مقعد في الصف فهم تلاميذ من الدرجة الثانية أو الثالثة وهذا ما يسبب لهم الشعور بالتعاسة لأنهم يشعرون بالرفض من معلميهم.
ربما يسأل البعض ويقول: أليست مكافئة التلاميذ المتفوقين بصحيحة؟
وهنا نقول: نعم، إنها صحيحة وتدخل ضمن نطاق التحفيز ولكن الأسلوب خطأ، فممكن اعطاء باقي التلاميذ مكافئة أيضاً لحثهم على الدراسة وتحفيزهم عن طريق الدعم المعنوي.

عندما أركز على العلامات فإنني أجعل الطفل يصاب بالقلق والتوتر إذا لم يحصل على علامة مرتفعة وهذا ما يجعله أبعد عن مفهوم النجاح الذي يشعره بالرضا عن الذات والشعور بالسعادة، فكل مجهود يقدمه التلميذ سعياً منه للتقدم الدراسي يعتبر نجاحاً، فإذا وسّعنا مفهوم النجاح في نظر الأطفال فإننا نجعلهم يرغبون بالدراسة ويحبونها أكثر.
لا أريد أن أقول: إنه يجب على الأهل أن يثبطوا من همم أبنائهم في الحصول على علامات عالية، ولكن لا تجعلوا المحور والمدار هي الدرجة والعلامة التي يحصل عليها ولدكم.
ادفعوا به إلى النجاح من أجل النجاح وليس من أجل العلامة فشتان ما بين أن أقرأ لأشعر بلذة النجاح، وبين أن أقرأ لأحصل على علامات مرتفعة…

قاسم المشرفاوي

اخترنا لكم

خاطرة

تباً لأمة رضيت بقتل قادتها غدراً، مسرورة تتراقص على دمائهم فرحاً. أنسيت تضحياتهم المشرفة؟ أم نسيت دماء شهداء الحشد الشعبي، التي ضمنت حياة آمنة لهم ولأبنائهم طيلة هذه الفترة؟ أم نسيت أن عدوهم اللدود الشيطان الأكبر أمريكا قد قتلت أبناءهم من الحشد الشعبي منذ ايام قلائل؟ هل دماؤكم ودماء أبنائكم رخيصة إلى هذا الحد؟ أم هل دماؤهم مصونة ودماؤكم مهدورة مستباحة لكل احد؟ تضامنوا ... تكاتفوا ... وتسلحلوا بسلاح الإيمان والعقيدة لتوجيه ضربة موجعة إلى عدوكم، ووضع خطوط حمراء لايمكن تجاوزها، صوناً لكم ولوطنكم وحرمتكم المستباحة.

اخرى
منذ 3 سنوات
1683

تجلياتٌ معرفية في الخطاب المهدوي (1)

بقلم: علوية الحسيني "يَا أيُّهَا النَّاسُ إِنَّا نَسْتَنْصِرُ اللهَ وَمَنْ أجَابَنَا مِنَ النَّاس، وَإِنَّا أهْلُ بَيْتِ نَبِيَّكُمْ مُحَمَّدٍ وَنَحْنُ أوْلَى النَّاس بِاللهِ وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله" هذا أول جزءٍ من خطبةٍ للإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف)، يخاطب الناس في أولِ ظهورٍ علني له، مسندًا ظهره إلى الكعبة, معرّفًا بنفسه لهم. وكل فقرةٍ من هذا المقطع الدعائي تحتمل وجهين، أحدهما يحتمل أن يتكلم الإمام عن نفسه (عليه السلام) خصوصًا، والآخر عن أهل البيت (عليهم السلام) عموماً وهو منهم ضمنًا. فقوله (عليه السلام):"يَا أيُّهَا النَّاسُ إِنَّا نَسْتَنْصِرُ اللهَ وَمَنْ أجَابَنَا مِنَ النَّاس" لعل الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) يشير لأهل البيت عمومًا، فيكون مقتضى كلامه: أنّه استعمل اسلوب النداء حينما بدأ يخاطب ويطلب النصرة من الله تعالى، وممن أجاب دعوته (عجّل الله فرجه الشريف)، وهي الدعوة الى الله تعالى، حيث قال "إنّــا" إشارة منه إلى ديدن أهل البيت (عليهم السلام) بصورة جمعية، فهم عندما تتكالب الأعداء عليهم يطلبون النصرة من الله تعالى، ومن مواليهم، فيشكلون قوة رادعة بوجه الأعداء -وان كانوا قلة؛ فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة. وسيرة الأطهار كفيلة ببيان ذلك. ولعل الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) يشير إلى شخصه الكريم، مستعملاً أسلوب التفخيم والتعظيم بقوله "إنّــا" فيكون مقتضى كلامه: أنّي أيضًا أطلب النصرة من الله تعالى وممن يواليني. يذكر أنّ أصحاب الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) يجيبون دعوته رغم اختلاف مناطقهم وجنسياتهم، فأين ما يكونوا يأت بهم الله تعالى عند مولاهم؛ فعن المفضَّل بن عمر، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): لقد نزلت هذه الآية في المفتقدين من أصحاب القائم (عليه السلام)، قوله (عزَّ وجلَّ): ﴿أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً﴾ [البقرة: ١٤٨]، إنَّهم ليُفتَقدون عن فرشهم ليلاً فيصبحون بمكّة، وبعضهم يسير في السحاب يُعرَف باسمه واسم أبيه وحليته ونسبه، قال: قلت: جُعلت فداك، أيّهم أعظم إيماناً؟ قال: الذي يسير في السحاب نهاراً"(1). قوله (وَإِنَّا أهْلُ بَيْتِ نَبِيَّكُمْ مُحَمَّدٍ) لعل مراد الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) هو أنّ أهل البيت (عليهم السلام) هم أهل بيت النبي الذي تدين به البلدة التي يكون ظهوره فيها، وهي مكة المكرمة؛ فيبدأ يعرّف بأهل البيت لطائفة تخالفه في المعتقد، لا تقول بإمامة الإمام علي والأئمة من بعده (عليهم السلام)، بل تعتقد بخلافة السقيفة. ومن المؤكد أنه يستدل لهم بما لا يقبل الشك، وبما يؤدي إلى القطع واليقين. ولعل مراد الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) التعريف بنفسه كونه فردًا من أهل بيت محمد (عليهم السلام) فإنّه بدأ يعرف بنفسه (عليه السلام) بأنه من أهل البيت (عليهم السلام). وكون المهدي من أهل البيت (عليهم السلام) هو ما دلّ عليه النقل عند العامة والخاصة، فقد روي "عن ‏إبراهيم بن محمد ابن الحنفية ‏، عن ‏أبيه‏، عن ‏علي ‏(ر)‏ ‏قال: قال رسول الله ‏(ص[صلى الله عليه وآله]) ‏ ‏المهدي ‌‏منّــــا أهل البيت يصلحه الله في ليلة"(2). كما وروي "عن النبي (ص[صلى الله عليه وآله]) أنه قال : لو لم يبق من الدنيا الا يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلًا من أهل بيتي يواطيء اسمه اسـمي واسم أبيه اسم أبـي يملأ الأرض قسطًا وعدلاً كما ملئت ظلمًا وجورا"(3). وروي عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال: "يكون تسعة أئمة بعد الحسين بن علي تاسعهم قائمهم (عليهم السلام)"(4). قوله "وَنَحْنُ أوْلَى النَّاس بِالله" لعل الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) يشير لأهل البيت عمومًا، فيكون مقتضى كلامه: نحن أهل البيت أفضل الناس عند الله، وأقربهم منزلة منه، وأكثرهم معرفة به. ودليل هذا نجده في الأدعية والزيارات التي صدحت بتلك الأولوية، ففي الزيارة الجامعة الكبيرة: "مَنْ اَرادَ اللهَ بَدَأَ بِكُمْ، وَمَنْ وَحَّدَهُ قَبِلَ عَنْكُمْ، وَمَنْ قَصَدَهُ تَوَجَّهَ بِكُمْ"(5). فبواسطة أهل البيت (عليهم السلام) عرفنا أصول الدّين من توحيد الله تعالى وعدله ووجوب بعثته للأنبياء والأئمة ووجود معاد- وإن كان العقل أيضًا يدل على ذلك، لكن قولهم يزيد من اطمئنان الفرد وصحة ما توصل إليه عقله- كما بواسطتهم عرفنا التكاليف الإلهية من فروع الدّين من صلاة وصوم وحج وزكاة وأمر بمعروف ونهي عن منكر، وولاية أولياء الله وبراءة من أعداء الله. ولعله (عجّل الله فرجه الشريف) يشير إلى نفسه بالخصوص، مستعملاً ضمير التفخيم والجمع "نـحن"، فيكون مقتضى كلامه: أنه أولى الناس بالله؛ كونه الإمام المجعول من الله تعالى، خليفة له على الأرض، وإمامًا مفترض الطاعة. ولمفردة (أولـى) معانٍ عديدة، إلاّ أنّ ما يناسب سياق الخطاب هو: "أولى أفعل تفضيل بمعنى الأحرى، وخبر لمبتدأ محذوف يقدر كما يليق بمقامه"(6) فالتقدير: نحن أهل البيت أولى منكم بالله تعالى. وعلى كلا الاحتمالين في توجيه الضمير نحن -بكونه عائدًا لأهل البيت عمومًا أو للإمام المهدي (عليه وعليهم السلام) خصوصًا- فإنهم يـكونون أفضل الناس عند الله تعالى، فأصبحوا أولياء الله، قال تعالى مبيّنًا للفظة الأولياء: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُون}(7), فأوّل صفةٍ وصفهم الله تعالى بها هي الإيمان، ولـعل الله تعالى يشير إلى إيمان أهل البيت جميعهم بالله تعالى(عليهم السلام) بعد النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) وإقرارهم بالربوبية في عالم الذر، ففي عالم الذر وبعد أن خلق الله تعالى مخلوقاته بهيأة ذرات [على رأي] نثرهم وسألهم: مَن ربّكم؟ فكان أول من أجاب بالشهادة هم محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم)، فقد روي "عَنْ دَاوُدَ الرَّقِّيِّ أن أَبَا عَبْدِ الله (عَلَيْهِ السَّلام) قال: فَلَمَّا أَرَادَ الله أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ نَثَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُمْ: مَنْ رَبُّكُمْ فَأَوَّلُ مَنْ نَطَقَ رَسُولُ الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه) وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلام) وَالائــِمَّةُ صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِمْ فَقَالُوا أَنْتَ رَبُّنَا..."(8). وأسبقيتهم على غيرهم بإقرارهم (عليهم السلام) بـالربوبية لله تعالى في عالم الذر كان مقدّمة لتحميلهم العلم الإلهي، وجعلِهم أولياء على خلقه وخلفاءه على بريته. والروايات الشريفة وصفت هذا الحدث العظيم بأنّ الله تعالى جعلهم (صلوات الله عليهم) حملة عرشه. فقد روي "عَنْ دَاوُدَ اَلرَّقِّيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عَنْ قَوْلِ اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: «وَ كٰانَ عَرْشُهُ عَلَى اَلْمٰاءِ » فَقَالَ: مَا يَقُولُونَ؟ قُلْتُ: يَقُولُونَ إِنَّ اَلْعَرْشَ كَانَ عَلَى اَلْمَاءِ وَ اَلرَّبُّ فَوْقَهُ. فَقَالَ: كَذَبُوا مَنْ زَعَمَ هَذَا فَقَدْ صَيَّرَ اَللَّهَ مَحْمُولاً وَ وَصَفَهُ بِصِفَةِ اَلْمَخْلُوقِ وَ لَزِمَهُ أَنَّ اَلشَّيْءَ اَلَّذِي يَحْمِلُهُ أَقْوَى مِنْهُ. قُلْتُ بَيِــّنْ لِي جُعِلْتُ فِدَاكَ. فَقَالَ إِنَّ اَللَّهَ حَمَّلَ دِينَهُ وَ عِلْمَهُ اَلْمَاءَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ أَرْضٌ أَوْ سَمَاءٌ أَوْ جِنٌّ أَوْ إِنْسٌ أَوْ شَمْسٌ أَوْ قَمَرٌ فَلَمَّا أَرَادَ اَللَّهُ أَنْ يَخْلُقَ اَلْخَلْقَ نَثـَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُمْ مَنْ رَبُّكُمْ فَأَوَّلُ مَنْ نَطَقَ رَسُـــولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ أَمِــيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ اَلْأَئِمَـــّةُ صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا أَنْتَ رَبُّنَا فَــحَمَّلَهُمُ اَلْعِلْمَ وَ اَلدِّينَ ثُمَّ قَالَ لِلْمَلاَئِكَةِ هَؤُلاَءِ حَــــمَلَةُ دِيــنِي وَ عِــلْمِي وَ أُمَــنَائِي فِي خَلْقِي وَ هُمُ اَلْمَـــــسْئُولُون"(9). وهنا لعلّ سائلًا يسأل: هل أنّ ولاية أهل البيت (عليهم السلام) فقط على بني جنسهم؟ أي فقط على البشر من أنبياء ورسل وسائر الناس؟ أم تمتد ولايتهم الجعلية وتشمل حتى الملائكة فيكونون (عليهم السلام) أولياء على الناس والملائكة؟ جواب تلك الأسئلة يتضح من خلال تتمة الرواية المتقدمة "... ثُمَّ قَالَ[الله وسبحانه تعالى] لِبَنِي آدَمَ: أَقِرُّوا لِلَّهِ بِــالرُّبُوبِيَّةِ وَ لِهَؤُلاَءِ اَلنَّفَرِ[النبي والأئـمة عليهم السلام] بِــالْوَلاَيَةِ وَ اَلطــَّاعَةِ. فَقَالُوا[المـلائكة]: نَعَمْ رَبَّنَا أَقـْرَرْنَا، فَقَالَ اَللَّهُ لِلْمَلاَئِكَةِ: اِشْـــهَدُوا. فَقَالَتِ اَلْمَلاَئِكَةُ: شــَهِدْنَا..."(10). كما أنّ أولوية أهل البيت (عليهم السلام) على غيرهم كانت لأسبابٍ اخرى محل آثارها في عالم الدنيا, منها: 1- تنزههم عن دناءة الآباء وفجور الأمهات، فأهل البيت –والإمام المهدي منهم- (عليهم السلام) معروفون بطيب المولد, والعفاف المستقيم. 2- سلامة الخِلقة، فجميعهم (عليهم السلام) متصفون بسلامة الأبدان من التشوهات والأمراض التي تنفر الناس من الإيمان بهم كأئمة واجبي الإتباع بجعلٍ إلهي. 3- كمال الخُلق، وسيرة الأئمة (عليهم السلام) كفيلة ببيان كمال أخلاقهم ودرجة لائقية تعاملهم مع الناس. 4- كمال العقل، فالعقل الذي يتورع عن ارتكاب المعاصي، وتكون التقوى ملكة نفسانية لدى صاحبه، رغم امكانية فعله للمعاصي، لا يكون إلاّ عقلاً كاملاً، وهذا ما اتصف به أهل البيت (عليهم السلام). فجميع تلك الخصائص تجعلهم (عليهم السلام) أولى الناس بالله تعالى. والأصل في ذلك كله هو الجعل الإلهي. قوله: (وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله) الواو حرف عطف، عطف الجملة على السابقة، والمعنى نحن أهل البيت أولى الناس بمحمد (صلى الله عليه وآله). ولعل الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) يشير إلى نفسه خصوصًا مستعملاً ضمير التفخيم والجمع "نـحن"، فيكون مقتضى كلامه: أنا أولى الناس بـمحمد (صلى الله عليه وآله) رغم أن هذا المعنى مستبطن في الأول. وقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "إنَّ المَهْديَّ مِنْ عِــتْرَتي، مِنْ أهلِ بَيْتي، يَخْرُجُ في آخِرِ الزَّمانِ، يُنْزِلُ لَهُ مِنَ السَّماءِ قَطْرُها، وتُخرِجُ لَهُ الأَرْض بَذْرُها، فَيَمْلأُ الأَرْضَ عَدْلاً وَقِسْطاً، كَما مَلأَها الْقَوْمُ ظُلْماً وَجَوْرا"(11). _________________________ (1) كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص٦٧٢، ب٥٨، ح٢. (2) مسند الإمام أحمد بن حنبل لأحمد بن حنبل, مسند العشرة المبشرين بالجنة, مسند الخلفاء الراشدين, ومن مسند علي بن أبي طالب (ر), ح646. (3) منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية, الفصل الثاني في أن مذهب الامامية واجب الاتباع - الجواب عن كلام الرافضي على حديث المهدي من وجوه, ج4, ص95. (4) الخصال للشيخ الصدوق: ص480. (5) مفاتيح الجنان للشيخ القمي: (6) غيبة الطوسي للشيخ الطوسي: 178. (7) يونس: 62-63. (8) الكافي: للشيخ الكليني, ج1, باب العرش والكرسي, ح7. (9) المصدر نفسه. (10) المصدر نفسه. (11) غيبة الطوسي: 180. اَللّـهُمَّ اَعِذْهُ مِنْ شَرِّ كُلِّ باغ وَطاغ وَمِنْ شَرِّ جَميعِ خَلْقِكَ، وَاحْفُظْهُ مِنْ بَيْنِ يَديهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وَعَنْ يَمينِهِ وَعَنْ شِمالِه.

اخرى
منذ 3 سنوات
4268

لمَ الحسين ؟

لِـمَ الحُسين (عليه السلام)؟ بقلم: وجدان الشوهاني عطِشةٌ حتى الموت، ولا يرويني الماءُ مع أنّه سِرُّ الحياة! بل ترويني التأمُّلاتُ التي تأخذُني إلى عالمٍ آخر وحياةٍ أخرى، فما أنْ أرتشفُ منها حتى لا أشعرُ بأيّ ظمأٍ بعدها، ولا أعلمُ أتتقصّدُني أنا بالذات أم هي الصدفة؟ تأملتُ هذه المرة في أعمالِ يومِ عرفة، ورغم عظمةِ اليومِ كونه جزءًا من إحدى الفرائضِ التي أوجبَها اللهُ (سبحانه وتعالى) على عباده، بالعمرِ مرةً واحدةً، ألا وهي فريضة الحج، تلك الفريضةُ التي تحملُ أسمى معاني الضيافةِ والوفادةِ كونها وفادةً إلى اللهِ (سبحانه وتعالى)؛ ليتعرّفَ العبدُ على قواعدِ التوحيدِ التي رفعَها إبراهيمُ (عليه السلام) بأمرِ اللهِ (جلّ وعلا)، وإذا بالحُسين (عليه السلام) يتصدّرُ أعمالَ ذلك اليومِ العظيم! من هُنا بدأتُ أسرحُ في عالمِ التأمُّلِ والتدبُّرِ فتساءلتُ مع نفسي: لِمَ الحسين (عليه السلام)؟ فمن بينِ كُلِّ المعصومين (عليهم السلام) هو وليس غيره، يقفُ مُتفرِّدًا بخصائصَ وخصالٍ عجيبة، وكأنّ اللهَ (سبحانه وتعالى) اختاره ليكونَ الواسطةَ بينَه وبين العباد، فلا تخلو مُناسبةٌ دينيةٌ من زيارته (عليه السلام)، ولكن هذه المرّة كانَ الذي يُلفِتُ انتباهي هو يومُ عرفة، وهو جزءٌ من فريضةِ الحجّ. وهُنا أخذني التأمُّلُ قسرًا إلى ساحةِ البحث، وأنا عاجزةٌ حتى عن الرفض، في ظلِّ عطشٍ شديدٍ لمعرفةِ السِرِّ في ذلك التفرُّد، وبينما أتجوّلُ بينَ رواياتٍ كُثُر جعَلَتني أتمنّى أنْ يكونَ لي جناحانِ لأطيرَ إلى حَرَمِ الحُسين (عليه السلام) لِما وجدتُ فيها من ترغيبٍ وحثٍّ شديدٍ من أهلِ البيتِ (عليهم السلام) لزيارتِه (عليه السلام) في هذا اليوم، وكونها تعدلُ الحجّ! ليس ذلك وحسب، بل إنَّ اللهَ (سبحانه وتعالى) ينظرُ لزوّارِ الحسين (عليه السلام) قبلَ أنْ ينظرَ لأهلِ عرفات، وغيرها كثيرٌ من الروايات. نفسي لا تنفكُّ عن تأمُّلاتها، وكأنّها تريدُ أنْ تُسعِفَ نفسَها من عطشٍ مُميت، ولسان حالها: أيّتُها الغافلةُ أريدُ أنْ أرويكِ بماءِ الحياةِ الحقيقية، تعالي معي لنقفَ معًا نتأمّل. الحجُّ عملٌ عبادي، وفيه من الشرائطِ ما لا تتوفّرُ لكثيرين، ويكفي أداؤه مرةً واحدةً ليسقط التكليفُ طوال العمر، وفيه يتعرّفُ العبدُ على معارفِ التوحيد الحقّة، كما إنّه عمليةٌ تربويةٌ لتلك النفسِ الأمّارةِ بالسوء لتكون بأداءِ مناسكِ الحج مُتطهِّرةً من كُلِّ دَرَن، وفيه يتذكّرُ العبدُ ما جرى على نبي اللهِ إبراهيم (عليه السلام) من الابتلاءِ الذي استطاعَ بما وصلَ له من إيمانٍ أنْ يجتازَ الابتلاءَ الإلهي ليكونَ من الموقنين ولتكُونَ النبوةُ والإمامةُ في ذريته ممن لم يظلم نفسه البتة. ومن كرمِ اللهِ (سبحانه وتعالى) على عباده كانَ تكرارُه من المُستحبات، ولكن حتى الإتيان به مستحبًا ليس بالسهل. واذا بالنفسِ تقفُ عندَ ساحلِ الحُسين (عليه السلام)، فلقد تجلّى كرمُ اللهِ (سبحانه وتعالى) في اختيارِ الحسين (عليه السلام) ليكون بديلًا عن ذلك الاستحباب، كيفَ لا وقد جعلَ اللهُ (تعالى) سفينةَ الحسين هي الأوسعَ والأسرع؛ فزيارته (عليه السلام) مُتاحةٌ للجميع، وفيها المعارفُ التوحيديةُ نفسها الموجودة في الحجّ، خصوصًا لمن يأتي الحسينَ (عليه السلام) عارفًا بحقّه، فمن خلالِها نتعرّفُ على معاني التوحيدِ الحقيقي، كما إنّها عمليةٌ تربويةٌ أخرى يتذكّرُ فيها الإنسانُ من اصطفاهم وفضّلهم على جميع البشر، بعد أنِ ابتلاهم كما ابتلى نبيَّ الله إبراهيم (عليه السلام)، وكأنّ الابتلائين يلتقيانِ في أمورٍ ويفترقانِ في أُخَر، فمن بين نقاطِ الالتقاء كانَ العطشُ هو سيّدَ الموقفِ في القصتين، فلقد كانَ حاضرًا وشاهدًا ودليلًا لكُلِّ منكرٍ، فالعطشُ كانَ أشبهَ بعدوٍّ أرادَ أنْ ينهشَ أجسادَ من اصطفاهم الله (سبحانه وتعالى)، فعطشُ مولاتنا هاجر ورضيعها نبي الله إسماعيل (عليه السلام) وعطش الحسين (عليه السلام) وعياله. وإمّا ما تفترقُ به القصتان فهو لُطفُ اللهِ (سبحانه وتعالى) على هاجر بماءِ زمزم الذي نبعَ بأمرٍ منه (تعالى)؛ لترتوي هي ورضيعها، على حين تجلّى لطفُ اللهِ (سبحانه وتعالى) بنظرةٍ منه في كُلِّ عامٍ حتى قيامِ الساعةِ إلى زوّارِ الحُسين (عليه السلام) في يوم عرفة، بعدَ أنِ اختارَ الحُسينُ (عليه السلام) أمةَ جدّهِ على نفسه. وتلك ميزةٌ تفرّدَ بها الحُسينُ (عليه السلام)، فميّزَه اللهُ (سبحانه وتعالى) بتلك الامتيازاتِ العظيمة. ومن نقاطِ الالتقاءِ بينَ الابتلاءين الذبحُ الذي كانَ وجهًا آخرَ من أوجهِ الالتقاء؛ فكلاهما كانَ من القفا، ولكن ما تميّزتْ به قصةُ إبراهيمَ أنّ الذبحَ كانَ بأمرِ اللهِ (سبحانه وتعالى)، وكونه من القفا لطفًا آخر حتى يتمكّنَ إبراهيمُ من تنفيذِ أمرِ الله تعالى، على حين في قصةِ الحُسينِ (عليه السلام) كانَ الذبحُ بأمرِ الظالمين، وظلمًا وعدوانًا وحقدًا على مُحمّدٍ وأهلِ بيته (صلوات الله عليهم وسلامه) من أعداءِ الله، فضلًا عن أنّ اللهَ تعالى أتمَّ لطفَه على إبراهيم في الفداءِ منه (تعالى) ليكونَ بديلًا عن ذبحه، على حين تميّزَ الحسينُ (عليه السلام) في عدمِ وجودِ فداء، بل كانَ أغلبُ أهلِ بيته حتى الرضيع فداءً وقرابين للدّين، وهذا ما يُضيفُ للحُسين (عليه السلام) امتيازات، ليكونَ نظرُ اللهِ تعالى لزوّارِه هي الأولى. وهُنا بدأتِ الحياةُ تعودُ لتلك النفسِ التي كادتْ أنْ تموتَ من عطشها لولا التأمُّلات، لتجد نفسَها أمامَ نتائجَ مهمةٍ يمكنُ أنْ تختصرَها لتخرسَ تلك الأصوات النشاز التي تُشابهُ صوتَ الشيطانِ الذي جاءَ ليُزلزلَ إبراهيمَ (عليه السلام) عن يقينه، ولكن هيهات؛ إذ رجمتُها بالتأمُّلاتِ التي اروتيتُ بها. فالحجُّ وزيارةُ الحسين (عليه السلام) وفادةٌ لمعرفةِ حقيقةِ التوحيدِ التي تجلّتْ في القصتين، الأولى جرتْ أحداثُها في مكة، والثانية في كربلاء، ولكونِ الثانيةِ امتازتْ عن الأولى ببعضِ الامتيازات جاءَ كرمُ اللهِ تعالى ولُطفُه لزوّارِ الحسين (عليه السلام) في يومِ عرفة، وحتى لا تنقطع تلك المعارفُ، وتبقى الوفادةُ الإلهيةُ مُستمرة، والتي لا تنسجمُ مع جعلِ فريضةِ الحجِّ واجبةً في كُلِّ عام؛ لصعوبتها، كانَ البديلُ هو الحسين (عليه السلام). وهُنا انقطعَ التساؤل، وانتهى التأمُّل، وارتوتِ النفسُ بمعينِ الأسرارِ المكنونةِ في زيارةِ الحسين (عليه السلام) في يوم عرفة. جعلنا اللهُ (تعالى) وإيّاكم ممّن نظرَ لنا اللهُ تعالى له ضمنَ زوّارِ الحسين (عليه السلام).

اخرى
منذ 8 أشهر
311

التعليقات

يتصدر الان

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 4 سنوات
149309

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 4 سنوات
134240

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 4 سنوات
88762

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 4 سنوات
81652

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 4 سنوات
79497

أقوال كاذبة النسبة

انتشرت بين الناس في برامج التواصل الاجتماعي والمنتديات والمواقع الالكترونية الكثير من المقولات المنسوبة للإمام علي بن ابي طالب( عليه السلام )، وهي روايات كاذبة ومنسوبة ولا يوجد لها دلالة في الكتب الحديثية. ومنها هذه المقولة: - [يقول علي بن ابي طالب عليه السلام : كنت اطلب الشيء من الله ... فإن اعطاني اياه كنت افرح مره واحده . وإن لم يعطيني اياه كنت افرح عشر مرات . لأن الاولي هي اختياري ، أما الثانية هي اختيار الله عز وجل ] هذه المقولة كذب لا أصل لها ولا دلالة. فلم أجد لها سنداً في الكتب الحديثية أبداً. اما من حيث المعنى فهي مخالفة للقرآن وللاحاديث النبوية وروايات اهل البيت عليهم السلام، وذلك لأن الله سبحانه وتعالى أمر بالدعاء وضمن الاستجابة حتى ولو بعد حين. قال تعالى في محكم كتابه العزيز : (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ). - روي عن رسول الله( صلى الله عليه وآله) أنه قال: «افزعوا إلى الله في حوائجكم ، والجأوا إليه في ملماتكم ، وتضرعوا إليه ، وادعوه؛ فإن الدعاء مخ العبادة وما من مؤمن يدعو الله إلا استجاب؛ فإما أن يعجله له في الدنيا ، أو يؤجل له في الآخرة ، وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا؛ ما لم يدع بماثم» (١) . تأملوا : (افزعوا إلى الله في حوائجكم) ، (والجأوا إليه في ملماتكم) ، (وتضرعوا إليه). إنما يستعين الانسان على قضاء حوائجه الدنيوية والاخروية بالدعاء والابتهال والتضرع الى الله سبحانه وتعالى، فإذا كان المؤمن يفرح بعدم اعطائه حاجته فلماذا يفزع وأي مؤمن علي بن ابي طالب( عليه السلام )الذي لا يطلب حاجة للدنيا . - عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام : «اكثروا من أن تدعو الله ، فإن الله يحب من عباده المؤمنين أن يدعوه ، وقد وعد عباده المؤمنين الاستجابة» (٢). إن الله يشتاق إلى دعاء عبده ، فإذا أقبل العبد بالدعاء على الله أحبه الله ، وإذا اعرض العبد عن الله كرهه الله. عن معاوية بن وهب عن ابي عبدالله الصادق عليه السلام قال : «يا معاوية ، من اعطي ثلاثة لم يحرم ثلاثة : من اعطي الدعاء اعطي الاجابة ومن اعطي الشكر اعطي الزيادة ، ومن اعطي التوكل اعطي الكفاية ؛ فان الله تعالي يقول في كتابه : (ومن يتوكل علي الله فهو حسبه). ويقول : (لئن شكرتم لأزيدنكم). ويقول : (ادعوني استجب لكم)(٣). إن بين الدعاء والاستجابة علاقة متبادلة ، وأي علاقة أفضل من أن يقبل العبد على ربه بالحاجة والطلب والسؤال ، ويقبل الله تعالى على عبده بالإجابة ويخصه بها؟ قد يؤجل الله تعالى إجابة دعاء عبده المؤمن ليطول وقوفه بين يديه، ويطول إقباله عليه وتضرعه إليه ... فإن الله يحب أن يسمع تضرع عبده ، ويشتاق إلى دعائه ومناجاته. وفي الختام نقول: الأسلوب لا يخلو من الركاكة ، و من يعرف بلاغة وفصاحة الإمام علي بن ابي طالب( عليه السلام ) يعرف أنه لم يقل هذا الكلام. فلا يجوز نشر مثل هذه المقولات المنسوبة بين المسلمين إلا لبيان أنها كلام مكذوب وموضوع ومنسوب للإمام ( عليه السلام ). لأن ديننا ومذهبنا علمنا أن نتحقق ونبحث في صحة وسند الرواية قبل نقلها . ---------------------------- (١)- بحار الانوار ٩٣ : ٢. ٣. (٢)- وسائل الشيعة ٤ : ١٠٨٦ ، ح ٨٦١٦. (٣)-خصال الصدوق ١ : ٥٠ ، المحاسن للبرقي ٣ ، الكافي : ٦ في ١١ : ٤ من جهاد النفس. حنان الزيرجاوي ينشر 3

اخرى
منذ 4 سنوات
75330