تشغيل الوضع الليلي
قطبُ الرحى في حديثِ الثقلين
منذ سنة عدد المشاهدات : 1116
الجزء الثاني
بقلم: أُمّ محمد السوداني
٤-الخلود: إنّ الحكمةَ الإلهيةَ اقتضتْ أنْ يكونَ الدينُ الخالدُ مقرونًا بالمُعجزةِ الخالدةِ حتى تتمَّ الحُجّةَ على جميعِ الأجيالِ والقرونِ إلى أنْ تقومَ الساعةُ: "لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا"(النساء65)؛ لأنّ القرآنَ الكريمَ هو معجزةُ خاتمِ الأنبياءِ والمُرسلين، جعلَه اللهُ (تعالى) خالدًا إلى يومِ القيامة.
وقد ذكرَ النبيُّ الخاتمُ هذا في حديثِ الثقلين بقوله: "لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض"، والحوضُ هو حوضُ الكوثرِ والذي مقامُه يومَ القيامة. إذن فخلودُ القرآنِ مُلازمٌ لخلودِ العترةِ الطاهرة، يدلُّ على ذلك مرورُ أكثرِ من أربعة عشر قرنًا ونيف على نزولِ القرآن وعلى حديثِ الثقلين وما زالا موجودين وخالدين إلى يومِنا هذا ونحن في القرن الواحد والعشرين الميلادي، وسيخلدانِ إلى يومِ القيامة.
أما سببُ هذا الخلود؛ فلأنّهما ينتسبانِ للخلودِ المطلق، ولأنّ إرادةَ اللهِ (تعالى) قد أرادتْ لهما الخلود، فرغمَ جحودِ الكافرينِ وشُبُهاتِ المُرجفين إلا أنّ القرآنَ كُلّما مرّتِ العصورُ لا يزدادُ إلا غضاضةً وغزارةً بالعلوم، روي أنّ رجلًا سأل الإمامَ الصادقَ (عليه السلام): ما بالُ هذا القرآن لا يزدادُ عندَ النشرِ والدراسةِ إلا غضاضةً فقال: "لأنّ اللهَ لم يُنزِلْه لزمانٍ دونَ زمان، ولا لناسٍ دون ناس، فهو في كُلِّ زمانٍ جديدٍ، وعندَ كُلِّ قومٍ غضّ إلى يومِ القيامة"(6)
وهذا دليلٌ على خلوده، والعترةُ الطاهرةُ خالدةٌ أيضًا رغمَ مُحاولةِ أعداءِ الدينِ التعتيم على دورِهم وفضائلِهم وجهادِهم في سبيلِ نُصرةِ الإسلامِ ونشرِ أحكامِ القرآن إلا أنّهم كالشمسِ مثلما ذكرَ القرآنُ ذلك بقوله: "يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ"(التوبة٣٢).
وذكرَ المفسرون أنّ هذا وعدٌ حتميٌ بانتشارِ الإسلامِ وتطبيقِ القرآنِ الكريمِ بينَ البشريةِ جمعاء، وهذا لا يتحقّقُ إلا بزمانِ ظهورِ الحُجّةِ ابنِ الحسنِ خليفةِ رسولِ اللهِ (صلوات الله عليهم أجمعين)، فالقضيةُ المهدويةُ خالدةٌ وحاضرةٌ مع خلودِ القرآن؛ لأنّها امتدادُ العترةِ الطاهرة.
ومن آثارِ خلودِ العترةِ الطاهرةِ الثورةُ الحُسينيةُ العظميةُ، فقد خرجَ الإمامُ الحسينُ (عليه السلام) لإنقاذِ الأُمّةِ الإسلاميةِ من الانحراف، وضحّى بأولادِه وإخوته في صحراءِ كربلاء إذ قُتِلوا غُرباء، فمن يتوقّعُ لهم الخلودُ مع كُلِّ ما فعلته الماكنةُ الإعلاميةُ الأمويةُ الخبيثةُ من تشويهِ صورتِهم والطعنِ فيهم إلا أنّ نورَهم علا كمناراتِهم الذهبيةِ في كربلاء، وسببُ هذا الخلودِ الحُسيني انتسابُه للهِ (عزّ وجلّ)، فهم فتيةٌ آمنوا بربِّهم وأخلصوا للهِ (تعالى) فصارَ الحُسينُ ثأرَ اللهِ الموتور؛ لأنّ رسالتَه إلهيةٌ وقضيتَه ليستْ شخصيةً، فصارَ الطلبُ بثأرِه انتصارًا للرسالةِ وإحباطًا للجاهليةِ التي قاتلَها الحُسينُ وأصحابُه..
فكربلاءُ جسّدتْ صراعًا بينَ حضارتينِ بينَ الإسلامِ والجاهليةِ، ومُقاومةُ الحُسين (عليه السلام) وثورتُه الإصلاحيةُ هي لإيقافِ زحفِ الردّةِ الجاهليةِ على المجتمعِ الإسلامي، وقد تعهّدَ القرآنُ الكريمُ بحفظِ دمِ الشهيدِ المُخلص للهِ (سبحانه) حيث قال: "إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ"(غافر٥١)، وقد وردت آياتٌ كثيرةٌ عن نصرِ الله (تعالى) لمن ينصرُه ويُدافعُ عن دينِه.
وسِرُّ خلودِ العترةِ الطاهرةِ هو تعهُّدُ اللهِ (عزّ وجلّ) بحفظِ جهودِ العاملين في سبيلِه حيثُ قال تعالى: "وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ" (الأعراف١٧٠)
وهل هناك من يعملُ في سبيلِ اللهِ (تعالى) مثل مُحمّدٍ وآلِ محُمّدٍ (صلوات وسلامه عليهم)، إذ ضحّوا بأنفسهم للهِ (تعالى) وفي سبيله وعلى مِلّةِ رسولِه؛ ليستنقذوا عبادَه من الجهالةِ وحيرةِ الضلالة.
٥-التأثير: لا يختلفُ اثنانِ في أنّ للقرآنَ تأثيراً على الإنسانِ، وقد ظهرَ تأثيرُه على الجاحدين والكافرين وعلى المُسلمين على حدٍّ سواء، وقد ذكرتْ كُتُبُ التاريخِ قصصَ العُتاةِ وأهلِ البلاغةِ من قُريش وتأثُّرَهم بالقرآنِ العظيم واعترافَهم بذلك، منهم الوليدُ بن المُغيرة وهو من حُكّامِ العربِ وكانَ الشعراءُ يحتكمونَ إليه فلمّا سمعَ القرآنَ قال: واللهِ لقد سمِعتُ من مُحمّدٍ آنفًا كلامًا ما هو من كلامِ الإنس ولا من كلامِ الجن، وإنّ له لحلاوة، وإنّ عليه لطلاوة وإنّ أعلاه لمثمر وإنّ أسفله لمغدق، وإنّه ليعلو ولا يُعلى عليه"(7)
إنَّ المشركينَ لمّا علِموا بتأثيرِ القرآنِ على النفوسِ منعوا الناسَ من الاستماعِ إليه، قال (تعالى): "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ"(فصلت٢٦).
وعلى الرغم من حربِهم الإعلاميةِ ومنعِ أهلِ مكةَ من سماعِه إلا أنّ كُلَّ من يسمعُه يتأثّرُ به، إنّ القرآنَ الكريمَ غيّرَ أُمّةً كانتْ لا تعرفُ غيرَ التقاتُلِ والتناحُرِ فيما بينها وكانوا يشربون الطرق ويقتاتون الورق، أذِلّةً خاسئين فمنَّ اللهُ (تعالى) عليهم بمُحمّدٍ وبقرآنهِ العظيم وأصبحوا خيرَ أُمّةٍ أُخرِجتْ للناسِ وأصبحَ القرآنُ دستورًا للحياةِ المدنيةِ ومنهاجًا للإنسانيةِ ولا غرابةَ فاللهُ (عزّ وجلّ) يُخبِرُنا بقوّةِ تأثيرِ القرآنِ على كُلِّ الموجوداتِ حيث قال: " لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ"(الحشر٢١). أي لتصدّعتِ الجبالُ الرواسي لكمالِ تأثيرِه على القلوبِ وعلى كُلِّ الموجوداتِ في هذا الكون.
والعترةُ الطاهرةُ لأنّها مُلازِمةٌ للقرآنِ فهي أيضًا لها تأثيرٌ بالغٌ في النفوسِ؛ فهم يُمثِّلون روحَ القرآنِ ونهجَه القويم، والكُتُبُ تزخرُ بسيرةِ أهلِ البيت وأثرِهم على الناسِ، وقصةُ الإمامِ موسى بن جعفر (صلوات الله عليهما) مع بِشرِ الحافي الذي كانَ ماجنًا منحرفًا عن نهجِ الإسلامِ، وبكلمةٍ واحدةٍ سمعَها من الإمامِ انقلبَ كيانُه وصارَ من المؤمنين المُخلصين للهِ (تعالى) ورسولِه (صلى الله عليه وآله). وكذا الإمامُ الحسين (صلوات الله عليه) فلا يسمعُ أحدٌ بقصةِ ذبحِه الأليمةِ وتضحيتهِ برضيعِه وأهلِ بيته الأطهار إلا ما تأثّرَ وصارَ سببًا في بحثِه عن الإسلامِ ليعرفَ حقائقَه، خصوصًا في عصرِنا الحالي حيثُ لا قيودَ على الفِكرِ الواعي والعقولِ المُستنيرةِ.
وكذا أميرُ المؤمنين (عليه السلام) الذي حيّرَ الباحثين والكُتّابَ والعُلماءَ بسيرتِه وعدلِه بينَ الناسِ حتى كتبَ عنه المُحِبُّ والمُبغِضُ والناكِرُ لولايتهِ من جميعِ المذاهبِ الإسلاميةِ وحتى الدياناتِ المُختلفة، وكتابُ عليٌ صوتُ العدالةِ الإنسانيةِ للكاتبِ الشهير جورج جرداق المسيحي ليس بعيدًا عنا فقد أثارَ ضجّةً في الأوساطِ العلميةِ والأدبيةِ وتأثّرَ به كثيرٌ من الناس، وهناكَ العشراتُ من المؤلفاتِ عن هذه الشخصيّةِ العظيمة (علي بن أبي طالب).
إذن نستنتجُ ممّا تقدّمَ أنّ الأخبارَ قد تواترتْ على أنّ العترةَ الطاهرةَ عدلُ القرآنِ والثقلُ الذي أوصى به النبيُّ الأعظمُ والدالُّ على تلاحُمِهم المُطلقِ مع القرآنِ فكرًا وقولًا وعملًا، بل نجزمُ لولا مُحمّدٌ وآلُ مُحمّدٍ ما خُلِقَ القرآنُ لأنّهم هم من دافعوا عنه، وهم من نشروا علومَه وفسّروه للناسِ، ووضّحوا أحكامَه، ولولا مُحمّدٌ وآلُ محُمّدٍ ما عُرِفَ الكتابُ المجيدُ ولا بقي شيءٌ منه، وقد بيَّنَ اللهُ (عزّ وجلّ) هذا المعنى في حديثِ الكساء بقوله: (ما خلقتُ سماءً مبنيةً ولا أرضًا مدحيةً ولا فلكًا يدورُ إلا لأجلهم)(٨)، ورويَ عن أميرِ المؤمنين (عليه السلام): "نحنُ الشعارُ والأصحابُ والخَزَنةُ والأبواب"(9)
فلولا القرآنُ لم يكنْ للحياة هُدى ولا للإنسانِ رُشدٌ، ولولا مُحمّدٌ وآلُ مُحمّدٍ لم يكنْ للرشدِ مُرشدٌ ولا للعلمِ مُعلِّمٌ، فالقرآنُ أصلُ العلمِ والعترةُ الطاهرةُ معرفتُه ومعدنُه وبيانُه. مُحمّدٌ وآلُ مُحمّدٍ هم خَزَنةُ القرآنِ وأبوابُ اللهِ (تعالى) وهم أصحابُ الجنةِ وأبوابُها،
نختمُ بروايةٍ بليغةٍ جامعةٍ وتختصرُ كُلَّ ما ذكرناه سابقًا على لسانِ مؤسّسِ المدرسةِ الجعفريةِ التي نشرتِ العلومَ المُحمّديةِ وخرّجتْ آلافِ الطلاب الذين انتشروا في الأمصارِ لتعليمِ الناسِ أحكامَ القرآنِ وأصولَ الدينِ الحنيف، حيثُ قال: "إنّ اللهَ جعلَ ولايتَنا أهلَ البيتِ قُطبَ القرآن"(10)
والقطبُ هو قطبُ الرحى بضُم القاف وفتحها وكسرها، (والقُطبُ كوكبٌ بين الجدي والفرقدين يدورُ عليه الفلك)(11)
والتأمُّلُ والتفكُّرُ في هذه الروايةِ العظميةِ يفتحُ لنا أبوابًا للعلمِ ومعرفةِ أسرارٍ للباحثين عن الحقائق المُستودعةِ بمُحمّدٍ وآلِ مُحمّدٍ الأطهار.
إنَّ مُحمّدًا وآلَ مُحمّدٍ هم أصلُ القرآنِ وهو يدورُ حولهَم كما تدورُ الأرضُ حولَ الشمس، وقد أكَّدَ ذلك خاتمُ الأنبياءِ والمرسلين: "عليٌّ مع القرآنِ والقرآنُ مع علي"، فأكثرُ ما نزلَ من القرآنِ مُرتبطٌ بهم من قريبٍ أو بعيدٍ، فبعضُه في ولايتِهم ومحبّتِهم وطاعتِهم، وبعضُه في فضحِ أعدائهم، وبعضُه في فضائلِهم والأحكامِ التي لا تصلُ غايتَها ولا تقعُ مقبولةً عندَ الله (تعالى) إلا بمحبتهم.
ولتلازُمِ القرآنِ والعترةِ الطاهرةِ فما زالَ ينزلُ عليهم كُلَّ ليلةِ قدرٍ في شهرِ رمضانَ المبارك، إذ ينزلُ على ابنِ رسولِ الله وخاتمِ أوصيائه الحجةِ ابن الحسن فهما لن يفترقا إلى يوم القيامة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
٦-عيون أخبار الرضا ،٩٣،ا/ح٣٢
٧-محمع البيان ج٥،ص٣٨٧
٨-مفاتيح الجنان ،ص٣٢٤
٩-نهج البلاغة ،ص٢١
١٠-بحار الأنوار ج٢٧،ص٩٨
١١-مختار الصحاح، ص٢٥٣
اخترنا لكم

مُقارباتُ التشابُهِ بتشخيصِ إمام(6)
(بينَ الإمامِ الحُجّةِ وأنبياءَ خمسة) بقلم: فاطمة الركابي الوجهُ الخامس: العلمُ الإلهي قال (تعالى): "وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ..."(البقرة: 53). رويَ عن الإمامِ الصادق (عليه السلام): «...وأمّا الجفرُ الأحمرُ فوعاءٌ فيه سلاحُ رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) ولنْ يخرجَ حتى يقوم قائمُنا أهلُ البيتِ (عليهم السلام)، وأمّا الجفرُ الأبيضُ فوعاءٌ فيه توراةُ موسى (عليه السلام)، وكُتُبُ اللهِ الأولى...»(1) بالنتيجة أنّ للإمامِ الحُجّةِ (عجّل الله فرجه) العلمَ الكاملَ لكُلِّ الكتب السماوية. الوجهُ السادس: مقامُ المُحسنين قال (تعالى): "وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ"(الأنعام: 84). وبالمُقابلِ قال (تعالى): "سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ. إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ" (الصافات:130 و 131). رويَ عن ابن عبّاس في قوله: "سَلامٌ عَلَى إِل يَاسِينَ"، قال: «نحنُ آلُ مُحمّدٍ آلُ ياسين»(2). وبالنتيجةِ فإنَّ الإمامَ الحُجّةَ (عجّل الله فرجه)، هو من المُخاطبين بالمُحسنين في هذه الآية. الوجهُ السابع: الخائفُ المُترقّب قال (تعالى): "فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ..."(القصص: 18)، إذ نجدُ هذا الوجهَ في زيارةِ آلِ يس بهذا السلام: "اَلسَّلامُ عَلى المُرْتَقِبِ الخائِفِ"(3)، بل وذُكِرَ من ضمنِ ألقابِه (صلوات الله عليه). الوجهُ الثامن: الاهتداءُ والهداية قال (تعالى): "وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ"(الأعراف:159)، فكما أنّ هناكَ من قومِ موسى (عليه السلام) الخواصَ ممّن اهتدوا بنورِ نبيّهم أصبحوا هُداةً- فكما يبدو- أنّنا نستطيعُ أنْ نفهمَ أنّ هذا الوجه مُتحقِّقٌ أيضًا بالمُهتدين بنورِ الإمامِ الهادي المهدي (عجّل الله فرجه)، كما نقرأُ في زيارتِه المخصوصةِ بيومِ الجمعة: "اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا نُورَ اللهِ الَّذي يَهْتَدي بِهِ الْمُهْتَدُونَ"(4)، أولئك الخواصُ المُقرّبون ممّن يصفُهم الإمامُ الصادقُ (عليه السلام) بحديثٍ طويلٍ ذكرَ فيه خاصّة أصحابِ المهدي (عجّل الله فرجه)، فقال (عليه السلام): «النُجباءُ والقُضاةُ والحُكّامُ والفُقهاءُ في الدينِ يمسحُ اللهُ على بطونِهم وظهورِهم فلا يشتبهُ عليهم حُكمٌ»(5) وبالنتيجة فإنّ مقامَ الهدايةِ مقامٌ خاصٌ ويحتاجُ إلى كمالاتٍ نفسيةٍ عاليةٍ في المُهتدي، فكُلّما كانَ المُهتدي كذلك كانتْ سعةُ هدايتِه للخلقِ أوسع. المبحث الثالث: مُقارباتٌ بينَ يوسف النبيّ والإمام المهدي(عليهما السلام) الوجهُ الأول: الاجتباءُ الإلهي قال (تعالى): "قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا...○ وَكَذَٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ..."(يوسف:5-6)، فكما أنّ هذه الرؤيا التي رآها النبيُّ يوسفُ (عليه السلام) في صغرِه كانتْ أولى بِشاراتِ الاجتباء، فقد بُشِّر باجتباءِ إمامِنا المهدي (عجّل الله فرجه) أيضًا من أولِ يومٍ ولِدَ فيه، فقد رويَ عن حكيمة بنت الإمامِ الجواد (عليه السلام) قالتْ: « بَعثَ إليَّ أبو محمد الحسن بن علي (عليه السلام) فقال: يا عمّة اجعلي إفطارَكِ الليلةَ عندَنا؛ فإنّها ليلةُ النصفِ من شعبان، فإنّ اللّهَ (تبارك وتعالى) سيُظهِرُ في هذه الليلة الحُجّة، وهو حُجّته في أرضه...»(6). الوجهُ الثاني: سُنّةُ الغيبة والسجن قال أبو جعفر(عليه السلام): «في صاحبِ هذا الأمرِ سُنَنٌ من أربعةِ أنبياءٍ، إلى أنْ قالَ: وأمّا من يوسف فالسجن والغيبة»(7)، فكما أنّ اللهَ (تعالى) أعطى البشرَ حُريةَ القرارِ في سلوكياتهم، كذلك فإنّ هذه الحريةَ لم تكنْ مُطلقة، وإنّما هي تحتَ هيمنتِه (سبحانه). فعندما اختارَ إخوةُ يوسف أنْ يمكروا به، وعزموا على قتله، فقد أجرى اللهُ (تعالى) على لسانِ أحدِ إخوتِه مقولةً جعلتْه يَسلَمُ منها ليُتِمَّ دورَه الإلهي، كما في قوله (تعالى): "قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ" (يوسف:10)، ثم غُيّبَ عنهم لجحودِهم بنعمةِ وجودِه بينهم. وهكذا مع يوسف زمانِنا (عجّل الله فرجه) فما لاقتْه سُلالةُ النبوّةِ والإمامةِ من أذى وقتلٍ على يدِ هذه الأُمَمِ، ولكونِه خاتمَ حُجَجِ اللهِ (تعالى) في أرضِه جرتْ فيه سُنّةُ التغييب أيضًا، وهذا وجهٌ وعلّةٌ من عللِ غيبته الكثيرة. أمّا وجهُ الشبهِ المُتمثِّلِ بالسجن فإنّ من معاني السجنِ التي يُمكِنُ أنْ تردَ على الذهنِ معنى حبسِ وانقطاعِ المسجونِ بحيث لا يتمكّنُ من مُمارسةِ أدوارِه الحياتيةِ بشكلٍ طبيعي، إلا أنّ هذا المعنى يتحقّقُ وفقَ طبيعةِ المسجون وعِلّةِ سجنه؛ إذ إنَّ أولياءَ اللهِ (تعالى) ميزتُهم أنّهم لا ينعزلون ولا ينقطعون عن أداءِ رسالتِهم الإلهية، وإنْ حُبِسوا عن المُجتمع أو ضاقتْ مساحةُ حركتِهم فيه، بالنتيجةِ السجنُ أيضًا مساحة، وفيه من أصنافِ المُجتمعِ ما فيه، فليسَ كُلُّ سجينٍ ظالمًا، ومُجرمًا، ففيهم المظلومُ ومنهم الجاني بغيرِ عمدٍ وقصدٍ، ممّن يُمكِنُ إصلاحُه وإرجاعُه إلى جادةِ الطريق. وهذا المعنى مُتحقِّقٌ في نبي اللهِ يوسف (عليه السلام)؛ إذ إنّه استثمرَ وجودَه في السجنِ ليُربيَ نموذجًا مُصغّرًا لمُجتمعِ التوحيدِ الذي شكّلَ قاعدتَه في مصرَ فيما بعد، فنفذ من السجن؛ ليفتحَ نوافذَ قلوبِ السجناءِ على نورِ اللهِ (تعالى) فغرسَه فيهم، وما إنْ خرجوا حتى استثمرَه وأكملوا به ما بدأه بهم. وكأنّه (عليه السلام) دخلَ السجنَ لا ليُسجَنَ بل ليُحرِّرَ المسجونين ويصنعَ لهم حياةً وفضاءً رحبًا، على ضيقِ مساحةِ ذلك السجن، وظلمةِ زواياه ووحشتها. وبهذا الوجهِ إمامُنا يتشابهُ مع نبيِ اللهِ يوسف (عليه السلام) من ناحيةِ كونِه مسجونًا عنّا إلا أنَّ هذا لا يعني أنّه لا يؤدّي أدوارَه فينا، أو لا يُربّي مُجتمعَه، بل الواقعُ هو إنَّ المسجونَ هو المُجتمعُ لا جامعَ الكلمةِ على التقوى!. فإنَّ انقطاعَ خبرِ إمامِنا عنّا، والعُزلةَ التي يعيشُ بها في فترةِ غيبتِه بعيدًا عن أنظارنا هو بمنزلةِ سجنٍ معنوي لنا نحن، وإلا فهو حاضرٌ وناظرٌ لا يقطعُه شيءٌ عنّا، وإنّما سجنُه عنّا سبيلٌ كي نخرجَ من سجنِ الأنا والنفسِ، ولكي نتمكّنَ أنْ نتحرّرَ من بُعدِنا عنه ذلك البعد المعنوي باستشعارِ وجودِه معنا في غيبتِه، والبعد المادي بتعجيلِ ظهورِه. يتبع... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الانوار للعلامة المجلسي: ج٢٦، ص١٨، ح١، باب١: جهات علومهم عليهم السلام وما عندهم من الكتب، وأنه ينقر في آذانهم وينكت في قلوبهم. (2) الدرّ المنثور للسيوطي: ج٥، ص٢٨٦ . (3) مفاتيح الجنان الشيخ عباس القمي: ص ٢٨٦ . (4) مفاتيح الجنان الشيخ عباس القمي: ص ٢٦٨ . (5) دلائل الامامة محمد بن جرير الطبري: ص٣٠٦. (6) كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ج١، ص٤٥٢. (7) الغيبة لمحمد بن إبراهيم النعماني: ج١، ص ١٦٦.
اخرى
شذرات من نهج البلاغة
شذراتٌ من نهجِ البلاغة(33) الخوفُ والحياءُ المذمومان يُضيّعانِ فُرَصِ الخير رويَ عن أميرِ المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَام): "قُرِنَتِ الْهَيْبَةُ بِالْخَيْبَةِ، والْحَيَاءُ بِالْحِرْمَانِ، والْفُرْصَةُ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ فَانْتَهِزُوا فُرَصَ الْخَيْرِ" ....... معاني المفردات: الهيبة: تأتي بمعنى الإجلالِ والاحترام، وتأتي بمعنى الخوف، والمقصودُ منها هُنا الخوف كما هو ظاهرُ السياق. الخيبة: عدمُ تحقُّقِ المطلوب. الحياء: الخجل . الحرمان: المنع. الفرصة: الوقتُ المُناسبُ للفعل . انتهزوا: اغتنموا واستفيدوا منها . ..... توضيحُ معنى الحديث: يتعرّضُ أميرُ المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَام) لصفتينِ موجودتينِ عندَ البشرِ وهما الخوفُ والحياءُ.. فأمّا الخوفُ فقد يكونُ حسنًا وقد يكونُ قبيحًا. فالخوفُ من اللهِ (تعالى)، والخوفُ من الذنوبِ، والخوفُ من عواقبِ الأفعالِ السيئةِ أمرٌ حسنٌ؛ لأنّه يصرِفُه عن الوقوعِ في المعصية. وأمّا الخوفُ من العملِ، ومن المُطالبةِ بالحقوق، فهو أمرٌ مذمومٌ ويُفوِّتُ على صاحبه تحقُّقَ الأمرِ المرجو تحقّقه. لذا وردَ عنه (عَلَيْهِ السَّلَام): "إذا هِبتَ شيئًا فقعْ فيه"؛ وذلك لكي لا يُفوّت المطلوب. والمقصودُ في الحديثِ هو الخوفُ المذموم؛ لأنّه (عَلَيْهِ السَّلَام) ذكرَ في ذيلِ الحديثِ: (فاغتنموا فرصَ الخير)، وهذه قرينةٌ على أنَّ التفويتَ الناشئَ من الخوفِ يُفوِّتُ الخيرَ، وما يُفوِّتُ الخيرَ مذمومٌ. وأمّا الحياءُ فهو أيضًا على قسمينِ؛ فالحياءُ من ذكرِ الألفاظِ الفاحشةِ والبذيئةِ وارتكابِ التصرُّفاتِ الشائنةِ حسنٌ، وأمّا الحياءُ من السؤالِ لمعرفةِ الحكمِ الشرعي مثلًا فإنّه مذموم، لأنه سيكونُ سببًا للحرمان من معرفةِ الحُكمِ الشرعي، ومن ثم سيُفوِّتُ فُرصةَ رفعِ الجهلِ، وهذا أمرٌ مذموم. والمقصودُ من كلامِ الإمامِ (عَلَيْهِ السَّلَام) هو الحياءُ المذمومُ بقرينةِ ما تقدّمَ.. ثم إنَّ الإمامَ (عَلَيْهِ السَّلَام) ختمَ كلامَه بموعظةٍ تتلخّصُ في أنِ احذروا من أنْ يُفوِّتَ الخوفُ والحياءُ المذمومان عليكم فرصَ تحصيلِ ما ينبغي تحصيلُه؛ لأنّ الفُرَصَ لا تتكرّرُ دائمًا، وعندما تمرُّ ويذهبُ وقتُها فمن الصعبِ تحصيلُها مرة أخرى بسهولة.
اخرىقِصّتي مع فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها). من قصة استبصار
الدكتورة غفران سعد كنت دائمًا ما أُكرِّرُ عبارة: أنَّ محبّةَ أهلِ البيت (صلوات الله عليهم) سهلةٌ، حتّى ولايتهم سهلةٌ وجِبلّةٌ إنسانيةٌ، ولكنَّ الصعبَ هو البراءةُ من أعدائهم من الأوّلين والآخرين، الأقربين والأبعدين. لذا فإنَّ أعظمَ ما في قصّتي مع فاطِمة الزهراءِ (صلوات الله عليها) هو أنّها جرّأتني على التبرّي من أعداءِ آلِ مُحمّدٍ، فتمَّ بذلك تشيُعي.. عندما يعرفُ أحدٌ أنّني مُستبصرةٌ، فإنّ أوّل سؤالٍ يتبادرُ إلى ذهنه -على الأغلبِ- هو: كيفَ واجهتِ أهلكِ وماهي ردّةِ فعلِهم تجاهك؟! هذا بعدَ السؤالِ التقليدي: ماذا قرأتِ وكيف وصلتِ؟ لكن لم يسألني أحدٌ أبدًا في يومٍ من الأيام، ما الذي عانيتِ منه، من نفسك؟ وكيف استطعتِ أنْ تواجهيها وتغلبيها؟ ما الذي قاسيتِه؟ وما حجم المرارةِ والألم الذي كابدتِه وتجرّعتِه حتى تنتزعي شجرةً خبيثةً ذات جذورٍ قاسيةٍ، ثم تزرعي مكانَها نبتةً مُباركةً طيبةً؟ كيف تمكنتِ أنْ تهدمي كُلَّ ما بنتْه نفسُك في سالفِ السنين، وتبني من جديدٍ كُلَّ تفاصيلِ الحياة؟! كيف تمكنتِ أنْ تعودي إلى الوراء كطفلٍ لم يبلغْ عمره الشهر! وتُلقِّني نفسكِ كُلَّ شيءٍ من جديدٍ حتّى الكلام وتعلُّمه وحتّى التربية؟! لا يعتقدنَّ أحدٌ أنَّ الدينَ والمذهبَ والعقيدةَ هو شيءٌ بسيطٌ ومن الكمالياتِ السهلةِ، وأنّه مجرّدُ عباداتٍ ومشاعرَ بسيطةٍ فقط يستطيعُ الإنسانُ تبديلَها بسهولةٍ وتغييرها... خاصّةً لمن يعرفه حقَّ المعرفة؛ إذ قد يضعون حول رقبتِه حبلَ المشنقةِ ولا يُبدِّله! هو التاريخُ والحاضرُ والمُستقبلُ، خاويةٌ هيَ الحياةُ من دونِه ولا معنى لها؛ لأنّه يدخلُ في كُلِّ جُزءٍ وعملٍ وكلمةٍ وحركةٍ وسكنةٍ وشعورٍ وإحساسٍ للإنسان. هو عمرُه الذي عاشَه بكُلِّ تفاصيله، ويتملّكُ كُلَّ وجودِه ووجدانِه وكيانِه وضميرِه وقلبِه وروحِه وفكره. أنْ تبدأَ برزيةِ الخميس... وتلعبَ على وترِ المُسلمِ بنبيّه (صلى الله عليه وآله) وحُبِّه له واحترامه وتقدسيه.. فذلك الأصح؛ لأنْ لا أحدَ طبعًا تسمحُ غيرتُه الدينية أنْ يُقالَ في نبيّهِ -الذي لا ينطقُ عن الهوى إنْ هو الا وحيٌ يوحى- بأنّه: "يهجُر". ولكن -كما هو معروفٌ في كُتُبِ العقائدِ والتي تبحثُ في مواضيع الخلافِ بينَ المذاهبِ- تجدُ التبريراتِ جاهزةً، وإنْ كانَ كُلُّ تبريرٍ -مهما كان- لا يمحو مرارةَ الفعلِ والموقفِ ولا يتقبّلُه عقلٌ أو ضمير! فيبقى في نفسِ الإنسانِ شيءٌ من التردُّد.. ثم ليذهبْ لعليٍّ (عليه السلام)، ليذهبْ للغدير؛ ليشهدَ بنفسِه البيعةَ التي أخذَها رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) لعليٍّ (عليه السلام) في أعناقِ الناس، حتّى مكثَ في غديرِ خُمٍّ ثلاثةَ أيامٍ ليبايعه الجميعُ وحتّى النساء! ليبكِ المسلمُ على قولِ: "بخٍ بخٍ لك يا ابن أبي طالب؛ فقد أصبحتَ مولاي ومولى كُلِّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ" الذي انقلب أصحابُه على أعقابِهم ونصبوا لعليٍّ (عليه السلام) العداوةَ وظهرتْ أحقادهم البدرية.. وانكشفَ زيفُ لهثِهم وراءَ السلطةِ والحكم، وبدا نفاقُهم وعدمُ تمكُّنِ الإسلامِ منهم حقًا. ولكن هُنا أيضًا تأتي سلسلةُ التبريراتِ والتردُداتِ التي تنقلُها الكُتُبُ وهي معروفةٌ وقد أُجيبَ عنها منذُ ألفٍ وكذا سنة، وتتكرّرُ في كُلِّ زمان وهي لا تروي عطشَ الجوعِ للحقِّ واللهفةَ لنُصرتِه، فيبقى في نفسِ الإنسان تردد.. وجودُ مثلِ هذه التردُداتِ تحولُ بينك وبين البراءة، بينك وبين أنْ يخرجَ من كُلِّ وجودِك ووجدانِك وقلبِك وبكُلِّ عقيدةٍ واعتقادٍ دعاء: "اللهم العنْ أولَ ظالمٍ ظلمَ حقَّ محمّدٍ وآلِ محمّد.."، تحولُ بينك وبين قراءةٍ صادقةٍ لهذه العبارة في بدايةِ كُلِّ كتابٍ بعد الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله): "واللعنةُ الدائمةُ على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين.."، ومن ثم تحولُ بينك وبينَ التشيُع؛ إذ ليس من السهل تقبُلُ هذا الأمر والقدرةُ عليه.. لنستمر.. هُنا أنا في الحقيقةِ توقّفتُ قليلًا! كنتُ أقولُ: يكفيني هذا، أنا أُحِبُّ علياً (عليه السلام) وأحترمُه وأؤمِنُ بالغدير وما حدثَ فيه، وأحترمُ الشيعةَ واعتقادَهم، وأحترمُ الجميعَ حتّى المُخالفين، ولأحتفظْ بتردُداتي.. يكفيني الإمامُ علي (عليه السلام)، فقد اكتفيتُ بأنْ أعرفَه وأحبَّه وأواليه وأنادي باسمه، فقد زرتُه في النجفِ لأولِ مرّةٍ وناديتُ: يا علي وقبّلتُ أعتابَه، وهذا يكفيني.. سأنجو مهما كانَ في الآخرةِ إنْ كنتُ أُريدُ النجاة؛ فلقد تملّكَني حبُّه وسيرتُه ونهجُه، عبادتُه وأخلاقُه ومُناجاتُه، بلاغتُه وعلمُه وشجاعتُه، غيرتُه وحميّتُه وصبرُه، كرمُه وجودُه وأدبُه. فلن أتقدّمَ أكثر.. كُنتُ أخافُ أنْ أستمر، أخافُ أنْ أجدَ شيئًا لا يُمكِنُني بعدَ معرفتِه أنْ أتردّدَ أو أرجع! كُنتُ أخافُ أنْ أجدَ القشّةَ التي ستقصُمُ ظهرَ البعير.. والتي ستُجبِرُني بأنْ أتغيّرَ إنْ كُنتُ أبحثُ عن الحقِّ فعلًا! وفي يومٍ من الأيام... مع أنّني كنتُ أقرأُ في الكتبِ وأبحثُ عن الحقيقة، وأُناقشُ وأُطالعُ وأبكي من مرارةِ الحقيقة، نشرتُ قولًا وحديثًا وحكمةً لأحدِ هؤلاء الظالمين، لم يخرجْ هذا الفعلُ من قلبي وعن قناعةٍ ورضا، كانَ جانبٌ من نفسي يُعاندُ نصفَه الآخر، ولا يُريدُ أنْ يخضعَ لما أثّره هذا النورُ للحقِّ فيه، كان يُكابرُ، ويتكبّرُ.. يتصوّرُ أنّه يستطيعُ أنْ يجمعَ حُبَّ آلِ مُحمّدٍ وعدوِّهم واحترامهم في قلبٍ واحدٍ! وقد قال عليٌ (عليه السلام): لا يجتمعان أبدًا.. كنتُ أرتجفُ من الخوفِ، وداخلي ينذرُ بهذا التغييرِ الذي سيُقيمُ القيامةَ ولا يُقعدها في أيامي القادمة، وسأواجِهُ بسببِه الكوارثَ حتى من الأهلِ والأقربين؛ لذلك كنتُ أُعاندُ نفسي وأتمسّكُ بشيءٍ قديمٍ خوفًا من نفسي وما ستأخذني إليه هذه الحقيقةُ الجديدةُ من الأذى والألم إذا أنا واجهتُها! غفلتُ واللهِ عن قولِ الإمامِ: إنّما الإيمانُ نُكتةٌ في القلب، وقد وقعتْ في قلبي منذُ زمنٍ وانتهى الأمر! فلم يكن هناك داعٍ لكُلِّ هذا، ولكنّها النفس! لابُدّ وأنّكم قد جربتُم هذا الشعورَ، عندما نبحثُ عن شيءٍ ما وبنفسِ الوقتِ نحنُ خائفون ممّا سنجدُه وكيفَ سنواجهُه. كأنْ نبحثُ عن سارقٍ دخلَ المنزلَ، ونحنُ مجبرون على فعلِ ذلك، ولكنّنا نجهلُ ما الذي يحملُه هذا السارقُ والذي سيُواجِهُنا به عندما نجدُه! البعضُ يبلغُ به الجبنُ حدًّا أنْ يتصنّعَ النومَ ويتركَ السارقَ ليفعلَ ما يفعل في المنزل! فالمهم أنْ يُحافظَ على نفسِه ممّا سيُصيبُها بالمواجهة -كما فعل محمّد هنيدي في فيلم فول الصين العظيم- أردتُ أنْ أفعلَ هذا أنا أيضًا! لكن انظروا ماذا يقولُ إمامُنا الصادق (عليه السلام): «یَا فُضَیْلُ، إِنَّ اللّهَ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَیْرًا، أَمَرَ مَلَکًا، فَأَخَذَ بِعُنُقِهِ حَتّی أَدْخَلَهُ فِي هذَا الأمْرِ -يعني التشيُع- طَايعًا أوْ کَارِهًا»! لقد عشتُ هذا الشعورَ فعلًا، أنّ أحدًا ما من وراءِ الغيبِ أخذَ بعُنُقي حتّى أُكمِلَ الطريقَ وأتمسّكَ به وبالحقِّ الذي عرفتُه، وأواصل المسيرَ ولو على حسابِ روحي! أنْ أتركَ طلبَ الراحةِ والعافيةِ وأنذر حياتي للعقيدةِ الحقِّ.. كنتُ أقولُ لهم دائمًا: نور أهل البيت أبصرني وبصّرني، ولن أتركهم أبداً... رغم أنّ كُلَّ من يسألني عن حالي وما جرى حتّى بدتْ علاماتُ التقبُلِ للتشيُعِ واضحةً عليَّ، كان جوابي: لا شيء، أنا لستُ شيعيةً، مجرّدُ فضولٍ ورغبةٍ بالتعرُف، وأحبُّ الزيارة! حتى جاءتِ الليالي الفاطميةُ من العامِ التالي.. في الصورةِ التي أَرفقتُها -في نهاية هذا الملف- من كتاب أمُّ مقاماتِ فاطِمة الزهراء للشيخ محمّد السند، هذا الكلامُ حقيقيٌ مررتُ به فعلًا في بدايةِ البحثِ عن الخِلافاتِ، ولمستُ أغلبَه في هذه الكتب التي ذكرُ فاطِمةَ (صلوات الله عليها) فيها قليل. فنحتاجُ إلى كتبٍ أُخرى وبحوثٍ أخرى مُتخصِّصة فيها (صلوات الله عليها) حتّى نعرفَ ما جرى بكُلِّ تفاصيلِه وأحداثِه، وبصراحةٍ ووضوحٍ ومن رواياتِ أهلِ البيت (صلوات الله عليهم)، ربما لحساسيّةِ الموضوع. وأنا كنتُ أشعرُ بهذه المُشكلةِ وهذا الإخفاقِ، وكنتُ أقول دائمًا لمن مدّوا لي يدَ العون: أنا اكتفيتُ من هذه الكتب واقتنعتُ، أريدُ أنْ أقرأَ في كتبكم رواياتِكم وماذا تقولون أنتم؟! وماهي سيرتُكم ومنهجُكم؟ وكيف تروون الأحداث؟ في البداية قال لي أحدُهم: "مادام الزهراء (عليها السلام) معك فلا تخافي... هذه العبارةُ الدافئةُ، تُشعِرُ الإنسانَ بالأمانِ والطُمأنينةِ، وأنّ هناكَ يدَ أُمٍّ حانيةٍ ستمتدُّ لمن يبحثُ عن الحقيقةِ، ويُريدُ لها الإنصافَ ممّن ظلمَها.. ويُريدُ أنْ يهتديَ بهُداها للحقِّ وينتصر لها. لم أكنْ أعرف بعدُ من هي فاطِمةُ؟ وما الذي جرى عليها فعلًا؟ إذ لم يدخلْ في صراعي مع نفسي غير رواياتِ العامةِ التي يبحثون بها في الكتب، ولكنّها كانتْ دافعًا معنويًا لي فتجرّأتُ وواصلتُ المسيرَ وتخلّصتُ من خوفي، وبقلبٍ سليمٍ وروحٍ مطمئنةٍ وعقلٍ متواضعٍ للحقِّ واجهتُ ما قابلتُه. وفي ليالي استشهادها... التي هي فترةُ ثلاثةِ أشهرٍ بثلاثِ رواياتٍ غرقتُ في بحرِ معرفةِ فاطِمة، وبدأتُ رحلتي معها، كأُمٍّ للولاية والعقيدة، ومحورٍ للدين والمذهب، وأساسٍ للتولي والتبري، فعلى معرفتِها القرونُ تدورُ، وبيديها رحى الوجود، سرُّ الخليقةِ وبابُ الله، ويومُها أصلُ عذابِه. تصدّعَ كياني لبشاعةِ وفظاعةِ مصابِها وما جرى عليها ممّن يدّعون أنّهم أصحابُ أبيها. دموعي المحترقةُ بنارِ الحقيقة كانتْ تحفرُ في خدّي الندوب؛ فلم تكنْ مجرّدَ دموعٍ بل كانتْ انهيارات لمُعتقداتٍ وآراءٍ وأفكارٍ وبناءاتٍ، كانتْ انهيارًا نفسيًا وروحيًا ومعنويًا، وسحقًا للنفس، ومرورًا يمحو كبرياءها وتكبرَها.. قد تمرُّ على كُلِّ الأحداثِ بقلبٍ مكسورٍ وحزينٍ ومصدومٍ من هولِ ما يُمكِنُ أنْ يصلَ إليه البشرُ من جُرأةٍ على اللهِ وحدودِه وقابليةٍ للانحطاطِ في سبيلِ الحكمِ والدولة.. من كُلِّ قدرتِه على الكذب والتحريف والتزييف للتاريخِ وسرقةِ ألقابِ الناسِ الصالحين ومنحها لآخرين لا يستحقونها.. لا زلتُ أتذكّرُ موضعَ دموعي المكسورةِ على كتابٍ عرفتُ منه أنّ من كان يُعرَفُ عندنا بكرِمِه على الفقراءِ ونُصرةِ الدين بأمواله أنّها أموالٌ مسروقةٌ من بيتِ مالِ الإسلامِ ولتسلُطِه هو وعشيرتِه على رقابِ المسلمين بالباطل. ثم تنتهي من هذا كُلِّه ولتبقى إرادةُ الإنسانِ لم تكتملْ بعد، ليقتلعَ كُلَّ ماضيه، ويتبرّأَ من عقيدتِه السالفةِ التي اكتشفَ حقيقتَها وحقيقةَ رموزِها، فضلًا عن أنْ يتشجّعَ ويلعنَهم. أتعلمونَ متى اكتملَ هذا الولاءُ وتدفّقتْ شرارةُ البراءةِ من الأعداء والظالمين، واكتملتْ عمليةُ اقتلاعِ الشجرةِ الخبيثة من نفسي بكُلِّ ما رافقَ هذه العملية من نزيفٍ واستنزاف؟! حينما وصلتُ لحادثةِ دخولِهما عليها لطلبِ العفو والسماح، ونحّتْ وجهها عنهما، وكيفَ أنّها دعتْ عليهما وتوعدتهما بالغضب وبإيذائها! وأنّها مضتْ مقهورةً، شهيدةً... حينها رفعتُ يديّ معها ودعوتُ عليهما ودموعي على خدي وتبرأتُ منهما كما تبرأتْ هي.. وسحقتُ نفسي القديمةَ وهدمتُ كُلَّ أركانِها واعتقادِها وأفكارِها وكسرتُ مشاعرَها وعواطفَها.. ولدُ منها كيانٌ جديدٌ موالٍ لمحمّدٍ وآل محمّدٍ ومتبرئٌ من أعدائهم وحياتُه تدورُ مدارَ ولائه.. وأُمُّ هذا الكيانِ الولائي فاطِمة... ألم يكنْ هذا الحدثُ هو الأخير؟! ألم يُتمتِمُ الأولُ قبلَ وفاتِه بعباراتِ الندم على هذا الغضب الفاطمي؟ مع هذا الحدثِ واللقاءِ والثباتِ على الموقف، لا مجالَ للتبريراتِ، للتردُداتِ، للاجتهاداتِ، لا مكانَ لـ "لكن"، لا مكانَ لـ"اجتهدَ فأخطأ". حتّى ابن أبي الحديد في شرحِ نهجِ البلاغة له كلامٌ عن هذا الحدثِ بالذات، أنّه ممّا لا يُغفَر ولا يُبرَّر وهو خطأٌ واضحٌ كانَ الأولى لو لم يكنْ.. لا مجالَ للتراجُعِ، لا مجالَ للوقوف، لا مجالَ للجمعِ بينَ أهلِ الحُبِّ والمودةِ والولاءِ وأعدائهم.. لا مجالَ للتسامُحِ مع ما جرى على فاطِمة (عليها السلام)، لا مجالَ للمُهادنةِ مع أعدائها. فاطِمةُ (عليها السلام) التي يرضى اللهُ (تعالى) لرضاها ويغضبُ لغضبِها، ماتتْ وهي عليهم غضبى، وهي تدعو عليهم في كُلِّ صلاة.. ولم تغفرْ لهم أبدًا. نقطة ... رأس سطر... انتهى الأمر.. ولأنّي كنتُ أعلمُ أنّه لا تشيُعَ بالولايةِ فقط، وإنّما بالولايةِ والبراءة معًا لم أعترفْ لنفسي فضلًا عن أن أُعلنَ لغيري أنّي تحوّلتُ بمذهبي وأصبحتُ شيعيةً، إلا بعدَ أنْ دستُ أعتابَ البراءة، وتبرّأتُ من قاتلي فاطِمة (عليها السلام) وظالميها ولعنتهم. فاطِمةُ (عليها السلام) هي رُكنُ التشيُعِ وأساسُه وأمُّه وأولُ شهيدةٍ في سبيلِه.. هل انتهتْ قصتي مع فاطمة الزهراء (عليها السلام)؟! كانتْ هيَ حقيقةَ تشيُعي وكانتْ هي سرَّ كمالِه؛ فعندما دخلتُ في نورِ معرفتِها وسيرتِها ونهجِها زادَ تعلُقي بالعباءةِ وزادتْ معرفتي وعقيدتي بالحجابِ وكونه علامةَ الإيمانِ وخاصّةً العباءة؛ فهي هويةٌ تُثبتُ أنّنا فاطمياتٌ نُحِبُّ الزهراءَ (صلوات الله عليها) وأننا راعينا حقَّها وأطعناها. كنتُ دائمًا أقول: أنا لم أعدّ نفسي شيعيةً إلا بعدَ أن ارتديتُ العباءة "إرث فاطم"، وكأنَّ لفاطم يدًا غيبيةً امتدّتْ إليّ فبشّرتْني بها قبل أنْ أرتديها، ووضحّتْ لي أنّ هذه العباءةَ من أسرارِ أيامِ العزاءِ والمصابِ والظليمةِ، ومظهرٌ للوفاءِ به والتعزيةِ. لقد كانَ كُلُّ همّي أنْ أُدخِلَ السرورَ عليها، ولأنَّ العباءةَ كما قالوا لي "فرحة الزهراء الكبيرة" بعد التشيُعِ والتغيير... تمسّكتُ بها. وهذا الانتقالُ ولادةٌ جديدةٌ... يخوضُ بها الإنسانُ حروبًا كافيةً تجعلُه يتركُ عواطفَه جانبًا حتى يُقاتلَ، ويقرِّر أنْ يكون بلا وطنٍ قديمٍ.. بلا عشٍ.. بلا كهفٍ.. بلا حنانٍ عائلي.. حتّى ينتقلَ لعالمٍ جديدٍ ووطنٍ جديد، الجميعُ فيه يسألُني عن أهلي والناسِ والمُجتمعِ ومُعاناتي معهم. مع أنَّ هذا كُلَّه ليسَ بأهميةِ مُجاهدَةِ الإنسانِ نفسَه التي هي أعدى أعدائه، وجهادُها هو الجهادُ الأكبر.. فلم يسألُني أحدٌ عن نفسي، كيفَ أنا؟! ما حجمُ ألمي من الحقيقة؟ هل شُفيتُ منه؟! أم أنَّه ما زال؟ ما الذي تركتْه هذه الحربُ الشعواءُ للولايةِ والبراءةِ والانتقالِ في نفسي؟ وما حجمُ الجرحِ النفسي العميقِ الذي جرحتني به؟ هل ضمّدتُه وطبّبْتُه أم التزمتُ بوصيةِ أهلِ المعرفةِ عندما شكوتُ لهم بنفسي دونَ سؤالٍ منهم عمّا أُعانيه وما أُخبئه بداخلي ولا أُفصِحُ عنه، قالوا لي: "أنصحُكم لا تضمِّدوا الجُرحَ حتى تُلاقوا عليًا بن أبي طالب به وهو يتولّاكم، وهنيئًا لكم" وهذا الجوابُ ليس بالنصِّ؛ أغارُ عليه أنْ أُفصِحَ عنه نصًا! يا الله! كم هو بلاءٌ عظيمٌ وألمٌ جميلٌ وجرحٌ عميقٌ أحتفظٌ به حتّى ألقى عليًا (عليه السلام)! كُلّما أريدُ أنْ أهدُرَ الشقشقةَ التي في صدري أتذكّرُ هذه الوصيةَ وأمسحه وأتراجع. حتى ألقى عليًا... *رسالـــــــة: حربُ الاستبصارِ ليستْ فكريةً، وعقائديةً وعلميةً فقط، وليست حربَ إرادةٍ مع الناس فقط، بل هي حربٌ مع نفسِ الإنسانِ، حربٌ روحيةٌ ومعنويةٌ ونفسيةٌ ومؤلمةٌ، مجهدةٌ جدًا ومتعبةٌ، وفيها الكثيرُ من الجروحِ العميقةِ والآثارِ الكبيرةِ التي لا يستطيعُ أحدٌ أنْ يشعرَ بها.. ولا دواءَ لها إلا آل محمّد (صلوات الله وسلامه عليهم) والآن أرجو من الله تعالى أن أكون بعدَ هذه الكلمات ممن أستحقّوا الشفاعةَ، فأستطيع أنْ أطلبَ الدواءَ من الزهراء (صلوات الله عليها) أيضًا، أُمُّ ولائي وبراءتي وتشيُعي وسببُه ومدارُه... لقد منحتني السيّدةُ الزهراءُ (عليها السلام) وخلقت لي من رمادِ هذا الاحتراقِ والألمِ والبناءِ المهدوم هذه القوةَ والشجاعةَ والثباتَ والجُرأةَ على الحقِّ في كُلِّ زمانٍ ومكانٍ وحدثٍ، والاعترافَ به ونصرتَه مهما كانَ الثمنُ ومهما كانتِ النتيجةُ ومهما كانتِ الحقيقةُ التي اكتشفتُها ومهما كان شخوصها. أمضي على الحقِّ الذي أعرفه دونَ أنْ ألتفتَ ورائي، دونَ أنْ يرفَّ لي جفنٌ حتى، وبلحظةٍ واحدةٍ أستطيعُ أنْ أهدمَ صروحَ الباطلِ وأقتلعه ثم أرميه وأتبرّأ منه وألعنه مع كُلِّ ما له في داخلي من علوٍ ومنزلةٍ وعاطفةٍ ومحبةٍ وذكرياتٍ وتاريخٍ وقداسةٍ أمضي كمن "يبحثُ عن الحقِّ بلا تُراثٍ يُقيّدُه، كسرَ القيودَ والموروثَ الصعبَ من أجلِ الحقيقة".. ولا أخشى إلا اللهَ (تعالى)، ولا أُفكرُ وأطلبُ إلا رضاه ورضا محمد وآل محمد وأُمّهم الزهراء (صلوات الله عليهم أجمعين) صلّى اللهُ على فاطِمة الزهراء سيّدةِ نساءِ العالمين. صلّى اللهُ على فاطِمة الزهراء سيّدةِ نساءِ العالمين. صلّى اللهُ على فاطِمة الزهراء سيّدةِ نساءِ العالمين.
اخرىالتعليقات
يتصدر الان
بين طيبة القلب وحماقة السلوك...
خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرىلا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع
يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىالمرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)
بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرىلا تقاس العقول بالأعمار!
(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىالطلاق ليس نهاية المطاف
رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرىأقوال كاذبة النسبة
انتشرت بين الناس في برامج التواصل الاجتماعي والمنتديات والمواقع الالكترونية الكثير من المقولات المنسوبة للإمام علي بن ابي طالب( عليه السلام )، وهي روايات كاذبة ومنسوبة ولا يوجد لها دلالة في الكتب الحديثية. ومنها هذه المقولة: - [يقول علي بن ابي طالب عليه السلام : كنت اطلب الشيء من الله ... فإن اعطاني اياه كنت افرح مره واحده . وإن لم يعطيني اياه كنت افرح عشر مرات . لأن الاولي هي اختياري ، أما الثانية هي اختيار الله عز وجل ] هذه المقولة كذب لا أصل لها ولا دلالة. فلم أجد لها سنداً في الكتب الحديثية أبداً. اما من حيث المعنى فهي مخالفة للقرآن وللاحاديث النبوية وروايات اهل البيت عليهم السلام، وذلك لأن الله سبحانه وتعالى أمر بالدعاء وضمن الاستجابة حتى ولو بعد حين. قال تعالى في محكم كتابه العزيز : (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ). - روي عن رسول الله( صلى الله عليه وآله) أنه قال: «افزعوا إلى الله في حوائجكم ، والجأوا إليه في ملماتكم ، وتضرعوا إليه ، وادعوه؛ فإن الدعاء مخ العبادة وما من مؤمن يدعو الله إلا استجاب؛ فإما أن يعجله له في الدنيا ، أو يؤجل له في الآخرة ، وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا؛ ما لم يدع بماثم» (١) . تأملوا : (افزعوا إلى الله في حوائجكم) ، (والجأوا إليه في ملماتكم) ، (وتضرعوا إليه). إنما يستعين الانسان على قضاء حوائجه الدنيوية والاخروية بالدعاء والابتهال والتضرع الى الله سبحانه وتعالى، فإذا كان المؤمن يفرح بعدم اعطائه حاجته فلماذا يفزع وأي مؤمن علي بن ابي طالب( عليه السلام )الذي لا يطلب حاجة للدنيا . - عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام : «اكثروا من أن تدعو الله ، فإن الله يحب من عباده المؤمنين أن يدعوه ، وقد وعد عباده المؤمنين الاستجابة» (٢). إن الله يشتاق إلى دعاء عبده ، فإذا أقبل العبد بالدعاء على الله أحبه الله ، وإذا اعرض العبد عن الله كرهه الله. عن معاوية بن وهب عن ابي عبدالله الصادق عليه السلام قال : «يا معاوية ، من اعطي ثلاثة لم يحرم ثلاثة : من اعطي الدعاء اعطي الاجابة ومن اعطي الشكر اعطي الزيادة ، ومن اعطي التوكل اعطي الكفاية ؛ فان الله تعالي يقول في كتابه : (ومن يتوكل علي الله فهو حسبه). ويقول : (لئن شكرتم لأزيدنكم). ويقول : (ادعوني استجب لكم)(٣). إن بين الدعاء والاستجابة علاقة متبادلة ، وأي علاقة أفضل من أن يقبل العبد على ربه بالحاجة والطلب والسؤال ، ويقبل الله تعالى على عبده بالإجابة ويخصه بها؟ قد يؤجل الله تعالى إجابة دعاء عبده المؤمن ليطول وقوفه بين يديه، ويطول إقباله عليه وتضرعه إليه ... فإن الله يحب أن يسمع تضرع عبده ، ويشتاق إلى دعائه ومناجاته. وفي الختام نقول: الأسلوب لا يخلو من الركاكة ، و من يعرف بلاغة وفصاحة الإمام علي بن ابي طالب( عليه السلام ) يعرف أنه لم يقل هذا الكلام. فلا يجوز نشر مثل هذه المقولات المنسوبة بين المسلمين إلا لبيان أنها كلام مكذوب وموضوع ومنسوب للإمام ( عليه السلام ). لأن ديننا ومذهبنا علمنا أن نتحقق ونبحث في صحة وسند الرواية قبل نقلها . ---------------------------- (١)- بحار الانوار ٩٣ : ٢. ٣. (٢)- وسائل الشيعة ٤ : ١٠٨٦ ، ح ٨٦١٦. (٣)-خصال الصدوق ١ : ٥٠ ، المحاسن للبرقي ٣ ، الكافي : ٦ في ١١ : ٤ من جهاد النفس. حنان الزيرجاوي ينشر 3
اخرى