الأثر الطيب

هاهي الشمس تتراجع خطوة بعد خطوة إلى مخدعها وراء الغيوم البيضاء ، لتترك أذيالها الحمراء الذهبية اللامعة تزين افق السماء، لعل مشهد الغروب المتألق هذا يحرك الكثير من القلوب الوالهة التي تهوى التفكر في بديع صنع الله تعالى ولاسيما قلب زينب التي اعتادت الجلوس على ضفة النهر الصغير المحاذي لبيتها الذي يقع في احدى القرى النائية جنوب العراق ، تتأمل كثيراً في هذا الوقت من اليوم تلاحظ كيف أن افول الشمس يحملُ في طياتهِ الكثير من المعاني السامية ، فبعد يوم مشرق طويل هذه هي الشمس تغادر وتعلن نهاية اليوم . التفتت زينب الى أبيها الذي كان منشغلاً بسقي الأشجار بالقرب منها . زينب : ابي أتحب غروب الشمس وماذا يعني لك ؟ الاب : نعم ياصغيرتي احب وقتَ الاصيل فهو بديع المنظر وساحر خلاب ويعلمنا الغروب ياصغيرتي أنه لا بد من الرحيل، سيرحل عنا من نحب … وسنرحل يوماً عمن نحب … ولن يبقى سوى طيب الأثر. زينب : وما المراد بطيب الأثر ياوالدي؟ الاب : هو العمل الجميل والصالح الذي يبقى بعد موت الانسان ، وهذا الاثر هو الذي يحدد مكانتنا في قلوب من حولنا، فهو كبقايا عطر جميل تركه صاحبه في أحد المجالس، يؤلف القلوب المتخاصمه ويصلح النفوس المتباغضه ويذهب الأحقاد ، وقد يكون الأثر ( كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا)1 والأثار الطيبه لاحصر لها ولاحد ، فيكمن ان تكون صدقه سر في ليل او ابتسامة في وجه احد متعب او قضاء حاجة ، او دفع ضرر وإماطة اذى عن طريق عباد الله عز وجل ، واعلمي ياصغيرتي ان الاعمال الصالحه والآثار الطيبه ماهي الا سبيل وطريق لبلوغ الجنان ورضا الرحمن ، فمولانا الباقر عليه السلام قال في حديث له ( إن العمل الصالح يذهب إلى الجنة فيمهد لصاحبه كما يبعث الرجل غلامه فيفرش له، ثم قرأ * وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلأنفسهم يمهدون)2 والاثار الطيبه ياصغيرتي هي بلا شك الدافع والأمل والمحفز الدائم الذي يحيينا كما يحي المطر الأرض الجدباء بعد طول انتظار، فتزهر وتخضر وتخرج أجمل ما بها من زهور وثمار . فعلى كل من يعي هذا الكلام ان يسعى جاهداً لترك الاثار الطيبه خلفه فهذه الدنيا دار عمل وسعي واجتهاد وهنئياً لمن خلفه وراءه الاثار الطيبه والاعمال الصالحة . ……………… 1/ سورة ابراهيم : اية 24/ 25 2/ ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ٣ - الصفحة 2124

القصص
منذ 4 أيام
5

شمعتي المتوهجة

أرخى الليل سدوله واشتد الظلام وازدادت الاماكن عتمة، نهضت امنة من مكانها واشعلت شمعتها ذات اللون الابيض ووضعتها على الطاولة وراحت تتأملها وتنظر الى جمال شكلها وبريق ضيائها الذي انتشر في انحاء الغرفة سرحت امنة في مخيلتها وراحت تحدث الشمعة قائلة : يالك من معطاءة رغم نورك الصغير الا انك تطردين عالماً من الظلمات و تزيحين استار الأسى و تغمرين الروح بالأمل ، وميضك الُمتراقص يوحي لي بالامان ويخبرني ان لامكان للخوف هنا ، ياترى من تشبهين واي الاشخاص تمثلين ؟ أجابتها الشمعة قائلة : انا كقلب الام الرؤوم و كجمال مبسمها الحنون ، تذيب نفسها لتنير درب اولادها ... تعلمت التضحية و العطاء من كفها المعطاء ، واخذت دروس الوفاء من فؤادها الوضاء ، فالأم مصدر الحنان والرعاية والعطاء بلا حدود . استطيع ان اضيء ملايين الشموع من شعلتي المتوهجة ، ولن يقصر عمري او يخبت نوري وكذا الأم فهي بمقدورها ان تمنح اولادها البهجة والسرور وتحيطهم بالرعاية والمودة وتغمرهم بالعطف والاطمئنان دون ان ينقص من عزيمتها شيء كيف لاتكون كذلك والجنة تحت اقدامها وملجأ الامان في احضانها . وقد اكدت الروايات على وجوب طاعتها ولزوم رعايتها والاعتراف بفضلها فعن الامام زين العابدين عليه السلام أنه قال :« وأمّا حقّ اُمك أن تعلم أنّها حملتك حيث لا يحمل أحد أحداً ، وأطعمتك من ثمرة قلبها ما لا يطعم أحد أحداً ، ووقتك بجميع جوارحها ، ولم تبالِ أن تجوع وتطعمك ، وتعطش وتسقيك ، وتعرى وتكسوك ، وتضحّي وتظلك ، وتهجر النوم لأجلك ، ووقتك الحر والبرد لتكون لها ، وانك لا تطيق شكرها إلاّ بعون الله وتوفيقه ». ………

القصص
منذ 4 أيام
5

سفير الأحلام

"سفير الأحلام" بقلم: رقية عاشور التقي. -صهٍ، إنه الفرقد قد أقبل. هكذا كان السجناء يهمسون بعضهم لبعض بمجرد رؤية طائر الفرقد قد هبط في ساحتهم، بعد ادعاء أحدهم رؤية الإمام الحجة (ع) في المنام، وادعاء البابية، (أي أنه باب للإمام وحلقة وصل بينه وبين الناس)، ومن يعارضه يحل محاربته لأنه أغضب الحجة (ع)، وأن هذا الطائر هو من ينقل الأخبار. انطلقت تلك الدعوة في الثمانينات اعتمادا على الرؤى والأحلام، ومن السجن تحديدا في أجواء تتراوح بين اليأس والأمل، حتى خرجت للخارج بدعوى أنه من مقتضيات اللطف الإلهي وتكامل العباد، واستغنائهم بالتالي عن الفقهاء الذين يحكمون بالحكم الظاهري في زمن الغيبة إلى الحكم الواقعي الصادر من الإمام إلى بابه(السفير المدعي) وهو ما يمثل الظهور الأصغر الممهد للظهور الأكبر. ولاقت تلك الادعاءات في تلك الفترة رواجا رغم اعتراف سفير الأحلام "المدعي" بعدوله عما ادعى، وأنه بريء من كل من يحاول العمل بمقتضى هذه الرؤية، وذلك بعد اقناع العلماء له أن الأحلام والرؤى لا يعول عليها، ولا أثر شرعي يترتب عليها، وأن من ادعى المشاهدة(النيابة الخاصة) قبل خروج السفياني وقبل الصيحة فهو كذاب مفتر. راجت حتى خُمدت تلك الدعوة بشكل نسبي لتعاود الظهور من جديد بعنوان التجديد، وفي أطر مدروسة منظمة، في جمعيات ومؤسسات لها روادها، تبث سمومها(أفكارها) التي تتعارض مع الدين بعد مزجها بالعسل، بعناوين براقة لتنطلي على بعضهم؛ فينجرف خلفها رغم تحذير العلماء منها ومن أَتباعها! فكلا# لدعوة# وبدعة# السفارة# والتجديد.

القصص
منذ شهرين
43

"وغسلتُ أدران قلبي" بقلم: رقية عاشور محمد التقي/ مملكة البحرين.

بالرغم أن السفر لي متعة، وعمل، ألا إنها المرة الأولى التي تركبني أمواج القلق الثائرة لتودي بي في قعر الأرق دون هوادة، فتغشيني الظلمات بلا تسبيح، ولا تهليل، فألبث مع تلك الأشلاء المتناثرة في أسواقهم، واختلاط أعمدة الدخان بدماء الأبرياء، وهرولة الأطفال والنساء المذعورة؛ لأطمس معها، فلا أجد نفسي من بينها. أبتغي ما أنا عازمة عليه، ولكني أنكفئ خائفة مترددة؛ لما أحمله من صورة ممسوخة عن الإسلام، أتوق لرفعها، مستبشرة بما قالته فاطمة عن الجانب المشرق للمسلمين، فأذكر بوضوح ذاك اللقاء المشوش هناك على مقاعد المقهى التابع للعمل مع زميلتي فاطمة، وكيف أني قابلت دماثة خلقها بسماجة مني؛ دعتني أعيد حساباتي حينها، وإن بقي شيئا من مخلفات الصورة المغلوطة وقتها. أذكر كيف نفثتُ سم العوالق المترسبة بداخلي في وجهها حينما رحبت بي، لأجيبها: -لا أهلا ولا سهلا بالمتطرفين. - أتقصديني بالمتطرفين نحن؟ - نعم، أنتم المسلمون المتطرفون، من تسفكون دماء الأبرياء، بشعار" لا إله إلا الله"، ولا غرو في ذلك؛ أليس دينكم من قام على حد السيف؟ أطرقتْ رأسها برهة مستنكرة عليّ ما أقول، ولكنها سرعان ما لبثتْ ورفعته عاليا في عزة وشموخ، وتبسمتْ في وجهي ابتسامة كلها عنفوان: - قد يكون من بين المسلمين متطرفون حقا، لكنهم ثلة قليلة لا تمثل الدين الإسلامي المحمدي الأصيل، ويرجع هذا التطرف عادة إلى الفهم المغلوط للنصوص من بعضهم، وعدم استخدام الأدوات المناسبة لإدراك الأبعاد الظاهرية والباطنية والعقلية، وقد تكون الدواعي شخصية ليس إلا من نفوس مريضة ليس لها دخل بالإسلام، ومثل هذا تجدينه في كل أمة على اختلاف مشاربهم. ثم أن الدين الإسلامي وإن استخدم السيف ليدافع عن عزته وكرامته، لكنه لم يتبنَ يوما ما فكرة أسلمة الناس وإن كان الدين عند الله الإسلام إذ لا اكراه في الدين، بل إنها الدعوة لله القائمة على الحكمة، والموعظة الحسنة، والمحبة في الله، وليس على التناحر والعداء، فإن "من حقّ المؤمن على المؤمن المودّة له في صدره" وهل الإسلام إلا الحب في الله والبغض في الله؟ نعم، الحب، وتجلياته من أبرز المعاني الحية النابضة في الدول الإسلامية، والعشق الإلهي هو المحرك الأول لها، ومنه ينحدر حب محمد (ص) وآله (عليهم السلام)، وهناك من القصص ما تحكي عن العشق، و الإصرار الذي قل نظيره، فأولئك الأطفال الذين اختطفهم الموت على سجادة الفداء التي كانوا عازمين على افتراشها في طريق السعادة وتقديم والدهم إياهم قرابين محبة، ما هي إلا صورة من صور العشق، وما تلك العجوز المحدودبة الظهر التي تعترض الطريق لتقسم على المارة الأكل من زادها إلا صورة أخرى له، وما ذاك الشاب والرجل الذي أفرغ نفسه لخدمة الآخرين إلا تجلٍ للرحمة الإلهية، وما تلك الفتاة التي سخرت حجابها لخدمة الدين إلا مثالا للخير الكثير، وفي رسولهم أسوة حسنة لهم. فالمسلمون يترجمون تلك المعاني سلوكا وعملا، وليس من الإنصاف أن يأخذ المسلمون بجرم سذاجهم، أو يقرأ الإسلام من أفواه أعدائهم. نظرت لفاطمة بذهول وأنا أستمع لحديثها وكأنها المرة الأولى التي ألتقي بها، والحقيقة أنها المرة الأولى التي أتحدث معها منذ أن توظفت معنا، فقد كنت أتجنبها متقصدة؛ لما أضمره بداخلي من احتقار للمسلمين، ولم أعلم أن حديثي معها سيخفف من وطأة الأدران العالقة في نفسي، ويغير فيّ الكثير حتى نصبح صديقتين في الأخير، نتحاور ونتبادل الثقافات، وتدعوني لزيارة بلادهم، والتشرف بقصد قبور أوليائهم. ولكن لا أخفي عليكم ما زلت أتخوف من بلاد المسلمين، فما زالت التفجيرات بين الفينة والأخرى قائمة. حدثت نفيسي بأنه ليس لي إلا فاطمة، هي فقط من تستطيع إزالة هذا التوتر، وسوف تسعد كثيرا حينما أعلمها عن عزمي زيارة بلادهم. حاولت التواصل معها عبر الهاتف، ولكن هاتفها كان مغلقا، فتركتُ لها رسالة أعلمها بقدومي عليهم، وذكرت لها بعض التفاصيل، وبقيت انتظر. طال انتظاري حتى انتابني قلق فوق قلقي، وموعد السفر بدأ في عد التنازل، حتى ترددت في السفر مرارا وتكرار، ولكن قلقي على فاطمة جعلني أصر عليه. جهزت حقيبتي، وكانت وجهتي الجمهورية العراقية. وفي المطار، أسمع صوتا يناديني.. تلفتُ يمنة ويسرة فلم أجد من أعرفه، فلم أعر انتباها لمصدر الصوت، ولكنه عاود من جديد بذكر اسمي واسم عائلتي، فتوقفت لأنظر من الذي يناديني. إنها فتاة! اقتربتْ مني وهي تجر أنفاسها بصعوبة قائلة: - ألستِ أنتِ أبيلا؟ -نعم، أنا أبيلا، ولكن من أنتِ؟ - أنا أخت فاطمة. انتشى صدري واضطرب تباعا.. - مرحبا أختي، ولكن أين هي فاطمة؟ - فاطمة بخير اطمأني. - ولكن لماذا لم تأتِ لاستقبالي؟ - تعالي الآن وفي الطريق سأخبرك. وفي المشفى رميت بنفسي على فاطمة منتحبة، وهي تطمئنني أنها بخير، وأن هاتفها تأثر بالحادث التي تعرض إليه.. وفي اليوم التالي خرجت فاطمة من المشفى وكنتُ برفقتها، ولكنها لم تذهبْ إلى منزلها، بل أخذتني لتؤدي التحية، والشكر لمن توسلتْ بهما لتنجو من الحادث، ولم أعلم حينها ما تقصد! وصلنا إلى بناء ضخم يكتظ بالناس، له قبتان ذهبيتان، يتجلى الجمال، والكمال في هيأتهما، وسيماء وجوه مرتاديهما. أخذتني الهيبة، وشعرت بقشعريرة تسري في بدني، وكأن ماء باردا سُكب فوق رأسي. نظرتْ لي فاطمة، وتبسمتْ في وجهي وقالتْ: إنها هيبة الجوادين (عليهما السلام) ونورهما هو الذي اخترق قلبك. مبارك لك عزيزتي. نعم، نورهما هو من غيرني، فاهتديت.

القصص
منذ 3 أشهر
51

الحبة الجيده

من على ضفاف نهر دجلة وبين دروب البساتين الضاجة بهديل الحمائم المتناغم ، وزقزقة العصافير المبهجة التي تبعث في الروح الامل ،ومن تحت باسقات الخيل حيث تتكاتف الاشجار وتتلاقى اغصانها وكأنهن صديقات عمر قد التقين بعد طول غياب . جلست سراء على اطراف احدى جداول النهر وهي تحدق بعينيها الصغيرتين الى الغيوم و تتأمل جمالها ، فالصباح قد حل وافترشت الشمس قلب السماء وأدلت بجدائلها الذهبية على الارض واعلنت ان يوماً جميلاً قد بدأ نثرت سراء حبوب القمح التي كانت بيدها على الارض كعادتها لتنظر الى جميل الاطيار التي ستأتي وتأكل حبات القمح المُلقات ، واذا بحمامة بيضاء زاهية تحلق في الافق كان منظرها رائعاً وهي ترفرف بجناحيها وخيوط اشعة الشمس تسللت بين جناحيها وزاردتها جمالاً وتألقا اثار اعجاب سراء هذا المنظر الخلاب وبعث في نفسها البهجة وراحت تلوح بيدها للحمامة وكانها تناديها. حطت الحمامة على ارض البستان وكانت تجول بين حبات الحنطه وتنظر اليها بدقة وتختار الحبه الجيدة وتترك الرديئة سراء كانت لاتمل من الاستمتاع بالنظر إليها ولا تميل بصرها عنها مندهشة من قدرتها على التمميز بين الحبات وفي الاثناء جاءت ام سراء وجلست بالقرب من ابنتها وحدثتها عن جمال المنظر الام : انظري كيف ان هذه الحمامة تلتقط الحبات بدقة فائقة، ومنظرها هذا يذكرني برواية رائعة وردت عن مولانا الصادق ع : ان يوم القيامة يقول الله تبارك وتعالى : يا أهل الجمع طأطؤوا الرؤوس وغضوا الابصار فإن هذه فاطمة تسير إلى الجنة، فإذا صارت عند باب الجنة تلتفت، فيقول الله: يا بنت حبيبي ما التفاتك وقد أمرت بك إلى جنتي؟ فتقول : يا رب أحببت أن يعرف قدري في مثل هذا اليوم فيقول الله: يا بنت حبيبي ارجعي فانظري من كان في قلبه حب لك أو لاحد من ذريتك خذي بيده فأدخليه، الجنة، قال أبو جعفر عليه السلام: والله يا جابر إنها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها ومحبيها كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الردئ .1 سراء : وما المقصود بهذا الحديث الطيب ياماما وكيف نكون من شيعة الزهراء عليها السلام حتى تختارنا من بين جميع الخلائق يوم القيامة ؟ الام : لمولاتي الزهراء الجاه العظيم عند الله وهذا الجاه و المنزلة السامية تتضح للجميع في عرصات القيامة فيعطيها الله حرية اختيار من يواليها ويحبها ويكون من شيعتها ليدخل الجنة معها ، وحتى نكون مصداق لهذا الامر علينا ان نحذو حذوها ونتبع خطاها ونسير على نهج ورسالة ابيها الغراء ، لايكفي ان نكون من شيعتها لفظاً ياابنتي بل لابد ان يكون التشيع نابع من شغاف قلوبنا وان يظهر على سلوكنا واخلاقنا في الظاهر و الباطن وعلينا ان نتبع تعاليم اهل البيت ونلتزم بأوامرهم وننتهي عن مانهونا عنه . …………… 1/ بحار الانوار ج 8 ص 52 2/ صفات الشيعة / الصدوق / ص 3

القصص
منذ 5 أشهر
98

قُربانُ الإله ١

قُربانُ الإله ١ . سال على الأرض دمك فبقت فأضحى الكونُ من بعدك حزينا ! يا رحمة الله الواسعة ويا باب نجاة الأمة. الظعن يتحدث . كانت نيته حين خروجه أن ينصر الحق( ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) ١. ولا بد أن يظهر الحق ويزهق الباطل ولو بإراقة دماءه وهو إبن بنة رسول الله! خرجَ القُربان تاركاً المدينة مَجروحاً وهو يترك بيت الله وحَرمه ؛ ترك خلفه قَبر جده رسول الله خارجا من دياره خائفٌ مُرتقب أن يذهب فداءً لدينه ويترك نِساء بنات رسول الله فيغدين سبايا من بلدٍ إلى بلد . رأيت حال خروجه من المنزل طفلة ستغدوا يتيمةً عاجلاً أم أجلا تتشبث بطرف ثيابه ؛ كانت تُدعى فاطمة ، رأيتها بما عِندها من أمل تحاول أن تستلطفه علهُ يصحبه معها إلى حيث كربٍ وبلاء أخذت تزحف نحو ظعن الحُسين وهي تنادي: أبه كيف تتركوني لوحدي؟ أبه خذوني معكم . كانت تنوح وتبكي لفراق أبيها وبقية الأحباب ولكن الحسين رجع اليها ورد عليها بحنين يشبه حنين رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) على الأمة قائلاً : بنيه! إذا وصلنا مكان الاستقرار أبعث إليك عمك العباس وأخاك علياً الأكبر يحملانك إلينا. واذ بها تشبثت به بقوة وبرجاء قالت: لا يا أبه إن نفسي تحدثني أن لا لقاء بعد هذا اليوم، هذا آخر لقاء .. آخر اجتماع! ، إئذن لي أن أتزود من عماتي وأخواتي! آه يال عظم مصيبة الحُسين وكَسرة قلبه حينها وهو يرى إبنتهُ وحبيبة قلبه و فاطمة تطوف على الهوادج تودع عماتها وأخواتها وبقيت فاطمة العليلة تبكي ليلها ونهارها وبين ساعة وأُخرى تنظر إلى تلك الدار الموحشة الّتي خلت من أهلها، ١: التوبة (٣٣). الكاتبة : حوراء الساعدي

القصص
منذ 7 أشهر
162

طيب الاثر

هاهي الشمس تتراجع خطوة بعد خطوة إلى مخدعها وراء الغيوم البيضاء ، لتترك أذيالها الحمراء الذهبية اللامعة تزين افق السماء، لعل مشهد الغروب المتألق هذا يحرك الكثير من القلوب الوالهة التي تهوى التفكر في بديع صنع الله تعالى ولاسيما قلب زينب التي اعتادت الجلوس على ضفة النهر الصغير المحاذي لبيتها الذي يقع في احدى القرى النائية جنوب العراق ، تتأمل كثيراً في هذا الوقت من اليوم تلاحظ كيف أن افول الشمس يحملُ في طياتهِ الكثير من المعاني السامية ، فبعد يوم مشرق طويل هذه هي الشمس تغادر وتعلن نهاية اليوم . التفتت زينب الى أبيها الذي كان منشغلاً بسقي الأشجار بالقرب منها . زينب : ابي أتحب غروب الشمس وماذا يعني لك ؟ الاب : نعم ياصغيرتي احب وقتَ الاصيل فهو بديع المنظر وساحر خلاب ويعلمنا الغروب ياصغيرتي أنه لا بد من الرحيل، سيرحل عنا من نحب … وسنرحل يوماً عمن نحب … ولن يبقى سوى طيب الأثر. زينب : وما المراد بطيب الأثر ياوالدي؟ الاب : هو العمل الجميل والصالح الذي يبقى بعد موت الانسان ، وهذا الاثر هو الذي يحدد مكانتنا في قلوب من حولنا، فهو كبقايا عطر جميل تركه صاحبه في أحد المجالس، يؤلف القلوب المتخاصمه ويصلح النفوس المتباغضه ويذهب الأحقاد ، وقد يكون الأثر ( كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا)1 والأثار الطيبه لاحصر لها ولاحد ، فيكمن ان تكون صدقه سر في ليل او ابتسامة في وجه احد متعب او قضاء حاجة ، او دفع ضرر وإماطة اذى عن طريق عباد الله عز وجل ، واعلمي ياصغيرتي ان الاعمال الصالحه والآثار الطيبه ماهي الا سبيل وطريق لبلوغ الجنان ورضا الرحمن ، فمولانا الباقر عليه السلام قال في حديث له ( إن العمل الصالح يذهب إلى الجنة فيمهد لصاحبه كما يبعث الرجل غلامه فيفرش له، ثم قرأ * وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلأنفسهم يمهدون)2 والاثار الطيبه ياصغيرتي هي بلا شك الدافع والأمل والمحفز الدائم الذي يحيينا كما يحي المطر الأرض الجدباء بعد طول انتظار، فتزهر وتخضر وتخرج أجمل ما بها من زهور وثمار . فعلى كل من يعي هذا الكلام ان يسعى جاهداً لترك الاثار الطيبه خلفه فهذه الدنيا دار عمل وسعي واجتهاد وهنئياً لمن خلفه وراءه الاثار الطيبه والاعمال الصالحة . ……………… 1/ سورة ابراهيم : اية 24/ 25 2/ ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ٣ - الصفحة 2124

القصص
منذ 9 أشهر
216

رسائلك غيرت حياتي ( الفصل الأخير)

أقوى العلاقات والتي من المستحيل أن تنهدم هي العلاقات التي تبدأ بعشق الله وتنتهي بعشق صاحب الزمان ( من أجلِ صاحب الزمان ) " مــوافقة" قلتها لأسراء بخجل وأنا خافضة الرأس إحتظنتني هي بسعادة ولكن سرعان ما توقفت وهي تسمعني أقول " ولكن لدي عدة شروط لن أقبل بالزواج ما لم تتحقق" قلتها بنبرة جدية وهدوء وأنا أنظر لأسراء لتنظر إلي منتظرة مني أن انُهي كلامي ، أخذت نفساً عميقاً ونطقت قائلة: أنِتِ تعرفين كل حكايتي مع علي وما فعلته له ،كنت فتاة حمقاء تسعى لكسبه لا غير أما الآن فلم أعد كما أنا ولم يعد لي أي رغبة به شخصياً وإنما قبلت به لأنه شاب مؤمن كان سبباً رئيسياً بهدايتي وليس فيه أي عيب خَلقي أو خُلُقي يدفعني لرفضه ، أنا حقاً مدينة له جداً فمهما شكرته لن أعطيه حقه ولكن هذا لا يعني أن أتخلى عن حقوقي وأن لا أطلب ما أريد كما أخبرتك ِ قبل قليل فأنا لن أستطيع العودة لبلدي ولن أترك الامام الحسين روحي فداه ولا كربلاء سأقبل به إذ ما حصلُتُ منه على موافقة العيش هنا داخل كربلاء قرب الحسين وبالطبع أيضاً لن أطلب منه ترك حياته فهذه ستكون أنانية مني لكني أريد ُ منزلاً صغيراً في كربلاء أجلس فيه، أريد ُ أن آتي للعراق كل سنة على أقل تقدير لأزور حبيبي الحسين هذا أولاً أما الشرط ا لآخر فهو إنني أريد إجراء العملية قبل زواجنا كي أستطيع أن أقوم بواجباتي الزوجية وأن لا أكون عالة عليه وهذا فقط ما أريده أعلم إنها شروط صعبه ولكنني لن أقبل الزواج بدونها. قلتها لتقهقه إسراء بخفة على كلامي ثم تعود لحضني وهي تهمس بأذني : لن أخبره بالأمر أنا أنِتِ من ستفعلين في الرؤية الشرعية فأنا واثقة بأنه لم يركِ للأن فأنا أعرف ولدي جيداً هو لا يركز بوجوه النساء أبداً لذا ستأتين معي الآن حيث علي ليراكِ . قالت كلماتها وسكتت أردت أن أرفض ولكني و قبل أن أنطق بحرٍفٍ واحد قامت بدفع الكرسي خارجة بي إلى منطقة ما بين الحرمين! يا إلهي أي ورطة قد أوقعِتِ بها نفسك ياغسق! ! كنت أنزل رأسي وأنا أفكر كيف سأبدأ بالكلام بل من أين سأبدأ وهل سأستطيع النطق حقاً ! ! شعرت بأن الكرسي توقف كما شعرت أن قلبي توقف معه من الخوف والارتباك والخجل ! رحلت إسراء ولم أستطع رفع رأسي عن الارض ولكن صوت رقية انتشلني مما أنا فيه ولكن سرعان ما عُدت لخجلي حينما نطقت: غسق أتعلمين بإنكِ ستتزوجين علي وسنبقى معاً انفجرت خجلاً وزجرتها بحدة ليأتي لي صوت إسراء وهي تقول: يريد أن يكلمكِ وأرجو منكِ أن تقومي برفع النقاب ليراكِ فهذا حقه الشرعي ،كوني قوية ياغسق ولا تخافي فأنت لا تفعلين شيئاً خاطئاً وإنما هذه هي سنة رسول الله والآن سأذهب أنا ورقية لمكان آخر وانتما لتأخذا راحتكما في الكلام . قالتها لتذهب وتتركني بمفردي قمت برفع النقاب وانزلت رأسي وانا ارتعش من الخوف هيا ياغسق إهدائي ، هدوء، شهيق و زفير ، شهيق زفير وكل شيء سيكون بخير أنِتِ غسق القوية فأين قوتك ! ! نطقتها وقد هدأت قليلاً ثم سمعت صوت خطوات تقترب فعرفت أنه هو ولم أستطع أن ارفع رأسي إلا بعد أن قال علي : الســلام عليكم ورحمـة الله وبركاته غسق بإرتباك وصوت منخفض: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته علي يدير رأسه لجهة ابي الفضل ويجلس على الارض: إسمعيني جيداً أنا سأنظر إلى مولاي أبي الفضل وأنتِ انُظري لحبيبكِ الحسين ستشعرين بالتحسن وسيزول عنكِ الارتباك غسق تنظر للأمام الحسين: حسنا ً علي: إذاً أنتِ غسق أم أدعوكِ زهراء ؟ غسق :بل أدعوني زهراء فهو أجمل بكثير علي بإبتسامة: حسناً يا زهراء قولي لي من هو قدوتكِ ؟ غسق بإبتسامة وقد دمعت عيناها: أمي فاطمة الزهراء سلام الله عليها علي : ولِمَ قلتِ أمي؟ غسق :لإنها أم لكل المؤمنات اللواتي يسرن على طريقها ويقتدين بها. علي بإبتسامة : أحسنتِ و بارك الله بكِ والآن أخبريني ما هو هدفك في الحياة ؟ غسق بجدية وشجاعة: أن ابني عائلة مهدوية مناصرة لصاحب الزمان عجل الله فرجه وأن امُهد لظهوره المبارك علي يضع يده على قلبه قائلاً : السلام عليك يا صاحب الزمان، هذا كل ما أردت أن أسألك إياه قالت السيدة إسراء أن لديكِ بعض الشروط فتفضلي وقولي ما لديك غسق وهي تنظر للأمام الحسين: كنت قد أمرتني قبل قليل بأن أنظر لحبيبي الحسين لإشعر بالراحة وهذا هو طلبي أن ابقى بجنب حبيبي الحسين أنا لا أريد منك سوى منزل صغير في كربلاء أتي إليه كلما بلغ بي الشوق ... علي بإبتسامة: حسناً وأنا لن أمنعكِ من حبيبك فهو حبيبي أيضاً قد لا تصدقين بأنني كنت قد قررت في الأيام التي مرت الإنتقال إلى العراق وطلبت إذن والدي في بيع البيت فوافق برحابة صدر وبما أن أبي سيتم الإفراج عنه في هذا الشهر فأنا أعدك بأن ننتقل إلى كربلاء الشهر القادم إذا ما شاء الله وتم زواجنا قالها ورحل تاركاً إياي متجهاً إلى الحسين أما أنا كُنت أنظر إليه ودموعي قد زينت وجهي وأنا أشكر الله على النعمة التي أعطانياها.. أتت اسراء فأخذتني في أحضانها مما جعلني أبكي قائلة: إسراء هل حقاً أستحق كل هذه النعم ؟ إن الله كريم ويحبني بعد كل ما فعلت!! لقد أعطاني كل ما تمنيته حقاً! إن الله جميل يا أسراء أجمل مما تصورت إن الله كريم أكرم مما تصورت! إن الله لطيف ألطف مما تصورت ! إن الله حنون أكثر من أي مخلوق!! لما كنت غافلة عنه ؟ أين كنت عنه وهو الذي لم يتركني؟ أنا والله استحي من الله ! لتقول هي بدموعها: إن الله جميل ولأنكِ سترتي نفسك بجماله أعطاكِ الجمال، ولأنه كريم وهبكِ الكرم، ولأنه لطيف رزقكِ اللطف، ولأنه حنون أغرقكِ بحنانه، فمن سار إلى الله وصل وأنتِ قد سرتِ إلى الله فوهبكِ كل هذا العطاء فإياكِ أن تزلي عن هذا الطريق ياغسق تابعي السير إلى الله حتى تحصلي على الجنة الحق وليس جنة الارض الفانية. ( بعــد ثلاثة أعوام في منطقــة مــا بين الحــرمين) غـسق: حســين ،حســين انتظر لا تجري بسرعة كي لا تقع يا ولدي حسين يركض: أريد أن أصل إلى الأمام الحُسين بسرعة... عـلي: دعيه يا زهراء فلقد رأى الجمال فكيف لا يجري بسرعة ! أو ما ترين بأنه يريد الوصول قبلنا فشوقه قد جعله مجنوناً غـسق: ولهـذا لا أريده أن يسير بسرعة فقـد يصل إلى حبيبي قبل أن أصل أنا إليه! عــلي ضاحكاً: تغارين حتى من ولدكِ !! غــسق تلحق بحسين : بل حتـى منك أنت! ( وَفِي ذلَِكَ فلَْيَتنَاَفسَِ المُْتنَاَفسِوُنَ ) مـن كـربلاء بدأ العـشق الإلهي حينما قال الإمام الحسين عليه السلام ( إن كـان هـذا يرضيك فخذ حتى ترضى) وبكربلاء سينتهي حينما يصرخ المهدي عجل الله فرجه ونسمع تلك الصرخة ذات يوم ( يا لثارات الحسين) بصوتك أيها العزيز يا قائم آل محمد ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *النهاية* *تمــت بعــون الله * ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الرسالة الأخيرة: في كل محطة من هذه الرواية واجهت حقـيقة كنت غافلة عنهـا وأجمل محطة كانت تلك الحقيقة التي غفل عنها الكثيرون وهي أن الله عاشق يحب عباده وهو الغيور الذي يريد من الإنسان أن لا يسير في طريق لا يرضاهُ له ولذا يأخذ ب يد الإنسان ويرسل إليه ِ رسائلاً عديدة ... أنظروا في حياتكم و استشعروا رسائل الله إليكم ( وَلا تلُْقوُا بأِيَْدِيكُمْ إلَِى التهْلكَُةِ) وتمسكوا بحبلِ الله المتين فإن حبل الله دائمٌ غير مُنقطع. الكاتبة: حوراء الساعدي

القصص
منذ 9 أشهر
199

رسائلك غيرت حياتي ( الفصل الثامن والثلاثون)

والذي بعُث بالحق نبياً إن الحسين بن علي في السماوات أعظم مما هو في الارض واسمه مكتوب على يمين العرش : إن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة رسول الرحمة محمد ( ص) (قلبٌ دخلهُ الحُسين يستحيل أن يخون ) كنت قد إنهمكت بالحديث مع رقية وإسراء فالحديث معهما أشعرني بٲنني عثرت على عائلتي أخيراً ولكن سرعان ما إنتهى ذلك الشعور عندما تذكرت بٲنهما سيعودان إلى أرض الوطن عاجلاً أم آجلاً، شعرت بالحزن حينها رغم ذلك لم أظهر شيء وأستمر حديثنا لوقت طويل إلا أن نظرا ت إلي إسراء بجدية وقد تغيرت نبرة صوتها لتقول إسراء: عزيزتي غسق أنتِ ستعودين معنا إلى بلدك وهناك ستعيشين معي فبقائك وحدك أمر غير جيد ولاسيما إنكِ إمرأة غير متزوجه وهذا يعني إنك لن تكوني بأمان ما دمت وحدكِ. غسق تهز رٲسها وتنزله بحزن: أشكر لكِ كرمك ولكنني لا أستطيع أن أعيش معكِ إسراء : لِمَ لا أخبريني ؟؟ تعلمين جيداً بٲنني أعيش وحدي وأن زوجي قد أستشهد فلماذا ترفضين عرضي لكِ أولا تثقين بي؟ ألم تقولي لي بٲنك تعتبريني كوالدتك رحمها الله؟ غسق تمسك يد إسراء وتقول بنبرة حنونه: نعم أنتِ كوالدتي فوقوفك بجانبي قد ساعدني كثيراً وأنا شاكرة لكِ صنيعك ولكن ليس لدي سبب للعودة إلى بلدي فلا عائلة لي هناك! ثم أتريديني أن أترك الحسين؟ لقد أصبحت مجنونته حقاً ! لا يمكنني أن أتخيل أيامي تمر وأنا بعيدة عن كربلاء إن حبيبي الحسين كل حياتي ولا طاقة لي على فراقه. .. إسراء وقد بانت دموع عيناها: وماذا أفعل أنا ؟ فأنا أيضاً لا يمكنني أن أترككِ وحدك فأنا أخشى عليكِ من أن يصيبك مكروه غسق تهز رٲسها: أنا بخير سأكون بخير ما دمت بضيافة الحسين وبقربه سأحيى بسعادة وراحة. إسراء بتنهيدة طويله : أنتِ عنيدة ولا فائدة من النقاش معكِ حسناً لا بٲس يمكنكِ أن تفعلي ما تريدين نحن الآن سنذهب لعلي أخ رقية سنستأذنه ونعود لكِ ،إبقي هنا غسق بشك: علي؟ إسراء بإبتسامه. أجل علي الذي تفكرين فيه الآن غسق بتعجب: هو نفسه !! إسراء تهز رٲسها : أجل لقد شاء الله أن تهتدي على يده وأن تصبحي صديقة أخت ه رقية بنبرة طفولية: غسق غسق غسق غسق: غسق واحدة تكفي هههه نعم؟ رقية بإبتسامة: لمَ لا تتزوجين علي وهكذا ستبقين معي إلى الأبد غسق تزجر رقيه : عيب يارقيه لا تقولي مثل هذا الكلام هذا أمر لا يصح . إسراء تفكر وتهمس لنفسها : أممممم ولمَ لا؟ رقية بحزن: أنا أسفه ولكنني ارُيدكِ معي لا أريد أن تبقي هنا فلا أستطيع رؤيتك غسق تمسح على رٲس رقيه: لا بٲس أنا هنا وكلما تأتين لكربلاء تستطيعين زيارتي وأيضاً يمكنكِ الإتصال بي سأقوم بشراء هاتف جديد فقط من أجل أن أحدثك ِ بشرط واحد وهو أن لا تبكي إتفقنا ؟ رقية تهز رٲسها وتبتسم: إتفقن ا إسراء: سنذهب الآن قد نتأخر قليلاً فلدي موضوع سأطرحه على علي لذا إنتظرينا هنا والآن إلى اللقاء. غسق بإبتسامة : حسناً في امان الله ورعايته كنت أفكر أن الوقت تأخر ورقية وإسراء لم يعودا بعد إنه منتصف الليل قد حل ولا زلت أنتظر بين الحرمين أتمنى أن لا تكون رقية قد أضاعت السيدة إسراء فهي طفلة وهذا يحدث غالب اً وأخيراً لاحت لي رقية و إسراء من بعيد فحمدت الله واتجهت إليهما وقبل أن أقول أي كلمة نطقت رقية بحماس قائلة... رقية بسعادة: علي لقد وجدنا غسق إنها هنا في الداخل لقد إحتظنتني وتكلمنا معاً ... علي متسائلاً: غسق؟ سيدة إسراء هي نفسها تلك الفتاة ؟!! إسراء بإبتسامة: نعم يا بني الحمد لله لقد وجدناها أخير اً علي بإبتسامة ينظر للسماء: الحمد لله إسراء بحزن: ولكنها ليست بخير يبدو بٲنها تعرضت لحادث علي بقلق: رحماك يارب ، ما لذي حدث ؟ إسراء تنظر لرقية: عزيزتي رقية أيمكنك الإنتظار هناك ريثما ننهي كلامنا رقية: حسناً إسراء بحزن: هي بخير ولكن يبدو أن ساقيها اصُيبتا بسبب حادثة اصطدام وهي تحتاج إلى اجراء عملية حتى تستطيع السير مرة أخرى وبما أنها قد تركت كل شيء عندما سافرت فهي لا تمل ك المال الكافي لإجراء العملية. علي بتفكير: أملك بعض المال كنت قد جمعته منذ مدة من أجل عملية رقيه ولكن بعدما أجرينا العملية لم تعد لي حاجة به، هل تستطيعين أن تعطيهِ لها ؟ إسراء تهز رٲسها بالرفض: أنا متأكدة بٲنها لن تقبله فغسق لها عزة نفس وستنزعج إذا ما قدمنا لها المال بالإضافة بإنهاء قد علمت بٲنك نفسك علي الذي كانت تراسله ولا شك بٲنها خجلة الآن جداً منا ومنك فلقد طلبتُ منها أيضاً أن تعود معي وتعيش بمنزلي لكنها رفضت . علي بتنهد: ما الحل إذاً ؟ إسراء بإبتسامة: لدي حل سيرضي كلا الطرفي ن علي باستغراب: ما هو؟ إسراء بحنان : أسمع يا بني خلال المدة التي قضيتها مع غسق إكتشفت فيها أشياء جميلة وجيدة ربما قد انعدمت في فتيات هذه الايام صحيح أنها لم تكن جيدة في البداية ولكن شاء الله وهداها اليه ومنذ دخلت في الإسلام تغيرت كلياً في الفترة التي كانت تدرس لدي وصلت لمراحل متقدمة حتى طالباتي لم يستطعن أن يصلن إليها وحتى الآن عندما رٲيتها لم تكن منزعجة من إصابتها بل سعيدة، أتعلم ماذا قالت لي ؟ قالت لي بٲنها قد أحبت هذه الاصابة لأنها قد جمعتها بحبيبها الحسين عليه السلام وأبقتها بجانبه! علي ينظر لجهة الإمام الحسين : هي محقة وأنا لا ألومها فأنا مستعد لأن أترك حياتي فقط لأبقى بجنبه ، أنِتِ يا أمي تريدين أن تقولي لي بكلامكِ هذا بإن غسق قد تغيرت فلما لا أتقدم لطلب يدها وأجعلها زوجة لي على سنة الله ورسوله وبهذه الطريقة ستبقى بجنبنا ونستطيع أن نسُاعدها بدون أن نهُينها أليس كذلك ؟ إسراء تهز رأسها بإيجاب : نعم يا بني وأنا أضمنها لك علي يبتسم: أنا موافق يا أمي ولا حاجة أن تضمنيها لي فقلبٌ قد دخله حب الحسين يستحيل أن يخون أحد! إسراء بسعادة وقد دمعت عيناها: لقد صدق الله حينما قال الطيبون للطيبات أنت وغسق كٲنما خلقكما الله لتكُملا الطريق معاً! علي: لا تتسرعي يا أماه نحن لم نتزوج بعد ما أدراكِ قد ترفضني ! إسراء : ترفضك أنت !! سأذهب الاغن إليها وسأجبرها شاءت أم أبت أما أنت أبقي رقية عندك وأنتظر عودتي. علي: أماه أنتظري لمَ هذهِ العجلة ، آه لقد رحلت بالفعل ! ، إن كيد النساءِ عظيم ! رقية تأتي إليه راكضة : علي لمَ لا تتزوج غسق ؟ علي بعبوس: هل كنت تستمعين لكلامنا؟ رقية تهز رأسها: كلا لقد أخبرتني السيدة إسراء ان هذه عادة سيئة ولم أكن استمع اليكم وإنما أردت منك أن تتزوجها كي تبقى معي ولا نفترق علي بإبتسامة: حسناً سوف أفعل هل هذا يرضيك؟ رقية تقفز بسعادة: هيييي علي: هش يا مجنونة أنتِ لستِ في منزلكِ أمامكِ رجال وهذا غير لائق! قررت أن أزور حبيبي الحسين قبل أن تعود إسراء ورقية وبالفعل ذهبت للضريح وأديت التحية والسلام ثم جلست بقربه ،نظرت مطولاً إلى الزخارف والثرُيات ،الاضواء والآيات المزخرفة شعرت فجأة إنني بحاجة لدعاء خاص لقلبي وللمرة الأولى ومنذ مجيئي هنا لم أدعُ لنفسي بدعاء خاص ولكنني الآن دعوت من كل قلبي! حبيبي يا حسين أنا طفلتك يا مولاي قد ضاقت بي الأيام ولم يكن لي أبٌ يحميني ويرعاني فكن لي أباً كما كنت لسَكينةٍ ورقية. .. مولاي يقولون لي أنِتِ فتاة والفتاة لا يجب أن تبقى وحدها! ماذا أفعل وإلى أين أتجه؟ ليس لي غير الله وأنتم ! لا أريد أن اذهب لغيركم وأتوسل لبشرٍ وأعيش على صدقات الناس ! مولاي بحقك أطلب من الله أن يكتب لي خيراً فلا أريد أن يقول عني الناس أنني فتاة غير جيدة لا دين ولا شرف لها! فرت مني دمعة فمسحتها وقبلت الضريح ثم أن أعود لمكاني وحينما عدت وجدت إسراء تبحث عني ، إستغربت عودتها بسرعة ورقية ليست معها أردت أن اسألها ولكنها لم تدع فرصة للكلام فلقد صدمتني بما قالت لي! أنا أتـــزوج ُ علــي !!!! للحظة نظرت إلى الضريح من ورائي وتذكرت دعوتي قبل قليل،حبيبي حسين أو هذه هي هديتك إلي؟

القصص
منذ 9 أشهر
205

يتصدر الان

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 4 سنوات
149642

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 4 سنوات
134561

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 4 سنوات
89032

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 4 سنوات
81787

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 4 سنوات
79541

أقوال كاذبة النسبة

انتشرت بين الناس في برامج التواصل الاجتماعي والمنتديات والمواقع الالكترونية الكثير من المقولات المنسوبة للإمام علي بن ابي طالب( عليه السلام )، وهي روايات كاذبة ومنسوبة ولا يوجد لها دلالة في الكتب الحديثية. ومنها هذه المقولة: - [يقول علي بن ابي طالب عليه السلام : كنت اطلب الشيء من الله ... فإن اعطاني اياه كنت افرح مره واحده . وإن لم يعطيني اياه كنت افرح عشر مرات . لأن الاولي هي اختياري ، أما الثانية هي اختيار الله عز وجل ] هذه المقولة كذب لا أصل لها ولا دلالة. فلم أجد لها سنداً في الكتب الحديثية أبداً. اما من حيث المعنى فهي مخالفة للقرآن وللاحاديث النبوية وروايات اهل البيت عليهم السلام، وذلك لأن الله سبحانه وتعالى أمر بالدعاء وضمن الاستجابة حتى ولو بعد حين. قال تعالى في محكم كتابه العزيز : (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ). - روي عن رسول الله( صلى الله عليه وآله) أنه قال: «افزعوا إلى الله في حوائجكم ، والجأوا إليه في ملماتكم ، وتضرعوا إليه ، وادعوه؛ فإن الدعاء مخ العبادة وما من مؤمن يدعو الله إلا استجاب؛ فإما أن يعجله له في الدنيا ، أو يؤجل له في الآخرة ، وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا؛ ما لم يدع بماثم» (١) . تأملوا : (افزعوا إلى الله في حوائجكم) ، (والجأوا إليه في ملماتكم) ، (وتضرعوا إليه). إنما يستعين الانسان على قضاء حوائجه الدنيوية والاخروية بالدعاء والابتهال والتضرع الى الله سبحانه وتعالى، فإذا كان المؤمن يفرح بعدم اعطائه حاجته فلماذا يفزع وأي مؤمن علي بن ابي طالب( عليه السلام )الذي لا يطلب حاجة للدنيا . - عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام : «اكثروا من أن تدعو الله ، فإن الله يحب من عباده المؤمنين أن يدعوه ، وقد وعد عباده المؤمنين الاستجابة» (٢). إن الله يشتاق إلى دعاء عبده ، فإذا أقبل العبد بالدعاء على الله أحبه الله ، وإذا اعرض العبد عن الله كرهه الله. عن معاوية بن وهب عن ابي عبدالله الصادق عليه السلام قال : «يا معاوية ، من اعطي ثلاثة لم يحرم ثلاثة : من اعطي الدعاء اعطي الاجابة ومن اعطي الشكر اعطي الزيادة ، ومن اعطي التوكل اعطي الكفاية ؛ فان الله تعالي يقول في كتابه : (ومن يتوكل علي الله فهو حسبه). ويقول : (لئن شكرتم لأزيدنكم). ويقول : (ادعوني استجب لكم)(٣). إن بين الدعاء والاستجابة علاقة متبادلة ، وأي علاقة أفضل من أن يقبل العبد على ربه بالحاجة والطلب والسؤال ، ويقبل الله تعالى على عبده بالإجابة ويخصه بها؟ قد يؤجل الله تعالى إجابة دعاء عبده المؤمن ليطول وقوفه بين يديه، ويطول إقباله عليه وتضرعه إليه ... فإن الله يحب أن يسمع تضرع عبده ، ويشتاق إلى دعائه ومناجاته. وفي الختام نقول: الأسلوب لا يخلو من الركاكة ، و من يعرف بلاغة وفصاحة الإمام علي بن ابي طالب( عليه السلام ) يعرف أنه لم يقل هذا الكلام. فلا يجوز نشر مثل هذه المقولات المنسوبة بين المسلمين إلا لبيان أنها كلام مكذوب وموضوع ومنسوب للإمام ( عليه السلام ). لأن ديننا ومذهبنا علمنا أن نتحقق ونبحث في صحة وسند الرواية قبل نقلها . ---------------------------- (١)- بحار الانوار ٩٣ : ٢. ٣. (٢)- وسائل الشيعة ٤ : ١٠٨٦ ، ح ٨٦١٦. (٣)-خصال الصدوق ١ : ٥٠ ، المحاسن للبرقي ٣ ، الكافي : ٦ في ١١ : ٤ من جهاد النفس. حنان الزيرجاوي ينشر 3

اخرى
منذ 4 سنوات
75468